الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة ، والذبح بآلة كالة ، وأن يحد السكين والحيوان يبصره ، وأن يكسر عنق الحيوان ، أو يسلخه حتى يبرد . فإن فعل أساء وأكلت ، وإذا ذبح الحيوان ، ثم غرق في ماء ، أو وطئ عليه شيء يقتل مثله ، فهل يحل ؛ على روايتين . وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه ، كذي الظفر لم يحرم علينا . وإن ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم ، وهو شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد ، واختاره ابن حامد ، وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد ، واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه . وإن ذبح لعيده ، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم ، نص عليه ، ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا ، أو طائرا فوجد في حوصلته حبا ، أو وجد الحب في بعر الجمل ، لم يحرم ، وعنه : يحرم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة ) قاله ابن عمر وابن سيرين ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة ، وقال : وجهت وجهي الآيتين الأنعام 79 80 ، ولأنه قد يكون قربة كالأضحية ، فكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة كالأذان ، فيسن توجيهها إلى القبلة على شقها الأيسر ، ورفقه بها ، وحمله على الآلة بقوة ، وإسراعه بالشحط ( والذبح بآلة كالة ) لقوله عليه السلام : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته .

                                                                                                                          قال الشيخ تقي الدين في هذا الحديث : إن الإحسان واجب على كل حال ، حتى في حال إزهاق النفوس ، ناطقها وبهيمها ، ولأن الذبح بآلة كالة فيه تعذيب للحيوان ( وأن يحد السكين ، والحيوان يبصره ) لأن عمر رأى رجلا وضع رجله على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى أفلت الشاة ، ويكره ذبح شاة ، والآخر ينظر إليه كذلك ( وأن يكسر عنق الحيوان ، أو يسلخه حتى يبرد ) أي : حتى تزهق نفسه ، لقوله عليه السلام : لا تعجلوا الأنفس أن تزهق . رواه الدارقطني بإسناد ضعيف . وعن عمر معناه ، ولأن في ذلك تعذيبا للحيوان ، وحرمهما القاضي وغيره ، نقل حنبل : لا يفعل ، وفي الترغيب : يكره قطع [ ص: 227 ] رأسه قبل سلخه ، ونقل حنبل : لا يفعل ، وكذا يكره قطع عضو منه قبل الزهوق ، وقاله الأكثر ( فإن فعل أساء ، وأكلت ) لأن ذلك حصل بعد حلها وذبحها ، سئل أحمد عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها ، فقال : يأكلها ، قيل له : والذي بان منها ؛ ، قال : نعم ، قال البخاري : قال ابن عمر وابن عباس : إذا قطع الرأس فلا بأس به ، فلو قطع منه شيئا وفيه حياة مستقرة ، فهو ميتة . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال : حسن غريب ، والعمل عليه عند أهل العلم ، ولأن إباحته إنما تحصل بالذبح ، وليس هذا بذبح ، نقلابن منصور : أكره نفخ اللحم ، قال في المغني : الذي للبيع ، لأنه غش ( وإذا ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله ، فهل يحل ؛ على روايتين ) .

                                                                                                                          أنصهما : لا يحل ، وذكره الخرقي ، وجزم به في الوجيز ، لأن ذلك يعين على زهوق النفس ، فيحصل من سبب مبيح ومحرم .

                                                                                                                          والثانية : بلى ، قدمها في الرعاية ، وذكر في الكافي والشرح : أنها قول أكثر أصحابنا ، وهي قول أكثر الفقهاء ، لحصول ذبحه ، وطرئان الأسباب المذكورة حصل بعد الموت بالذبح ، فلم يؤثر ما أصابه ، لحصوله بعد الحكم بحله ( وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر ) من الإبل ونحوها ( لم يحرم علينا ) في ظاهر كلام أحمد ، قال ابن حمدان : وهو أظهر ، لأنه من أهل الذكاة ، وذبح ما يحل لنا أشبه المسلم ، وقدم في المحرر والرعاية ، وجزم به في الوجيز : أنه يحرم ، وقيل : لا ، كظنه تحريمه عليه ، فلم يكن ، ذكر أبو الحسين : أن الخلاف في ذي الظفر كالخلاف في تحريم الشحوم المحرمة عليهم ، وعلم منه أنها تحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها ، لأن الحكم لاعتقادنا .

                                                                                                                          [ ص: 228 ] مسألة : ذو الظفر ما ليس بمنفرج الأصابع ، كإبل ونعام وبط ووز ، قاله ابن عباس وجمع ، وقيل : هي الإبل خاصة ، وعند ابن قتيبة : هي كل ذي حافر من الدواب ، ومخلب من الطير ( وإن ذبح ) أي : الكتابي ( حيوانا غيره ) أي : ما يحل له ( لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم ، وهو شحم الثرب ) وهو بوزن فلس ، يغشي الكرش والأمعاء رقيق ( والكليتين ) واحدها كلية وكلوة ، بضم الكاف فيها ، والجمع كليات وكلى ( في ظاهر كلام أحمد ، واختاره ابن حامد ) وأبو الخطاب ، وجزم به في الوجيز ( وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد ) لما روى عبد الله بن مغفل ، قال : أصبت من شحم يوم خيبر فالتزمته ، فقلت : لا أعطي اليوم أحدا شيئا ، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما . رواه مسلم . ولأنها ذكاة أباحت اللحم فأباحت الشحم ، كذكاة المسلم ، وكذبح حنفي حيوانا فتبين حاملا ونحوه ، وعلم منه أنه يحرم على اليهود شحم الثرب والكلية من بقر وغنم ، نص عليه ، لقوله تعالى : ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ] الأنعام : 146 [ أي : حرمنا على اليهود كل ذي ظفر وجميع شحوم البقر والغنم ، وهي الثرب والكلى ( إلا ما حملت ظهورهما ) ما علق بالظهر والجنب من داخل ( أو الحوايا ) وهي : المصارين ( أو ما اختلط بعظم ) هو شحم الإلية ، لما فيها من العظم ( واختار أبو الحسن التميمي والقاضي ) وأبو بكر وأبو حفص البرمكي ، واختاره الأكثر ، قاله في الواضح ، وصححه في عيون المسائل ، لقوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [ المائدة : 5 [ ، وهذا ليس من طعامهم ، ولأنه جزء من البهيمة لم تبح لذابحها ، فلم تبح لغيره كالدم ، [ ص: 229 ] وعلله القاضي بأن الذكاة تفتقر إلى القصد ، والكتابي لم يقصد ذكاة هذا الشحم ، وجوابه : أن الآية حجة لنا ، فإن معنى طعامهم ذبائحهم ، فعلى هذا يجوز تملكها منهم .

                                                                                                                          فرع : يحرم علينا إطعامهم شحما من ذبحنا ، نص عليه ، وقال ابن عقيل : نسخ في حقهم أيضا .

                                                                                                                          ( وإن ذبح لعيده ، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم ، نص عليه ) لأنه من جملة طعامهم ، فدخل في عموم الآية ، ولأنه قصد الذكاة ، وهو ممن تحل ذبيحته ، وعنه لا تحل ، اختاره الشيخ تقي الدين ، لأنه أهل به لغير الله تعالى ، والأول هو المعول عليه ، لما روي عن العرباض بن سارية ، قال : كلوا وأطعموني . رواه سعيد من رواية إسماعيل بن عياش ، عن بشر بن كريت الأملولي ، وعن أبي أمامة ، وأبي الدرداء كذلك ، رواهما سعيد من رواية إسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن أبي مريم الشامي ، وهو ضعيف ، وفي الرعاية : إنه مكروه ، نص عليه ، ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله ، ونقل عبد الله : لا يعجبني ما ذبح للزهرة والكواكب والكنيسة ، وكل شيء ذبح لغير الله ، وذكر الآية ، وعلم منه أن ما ذبحه مسلم لكتابي أو مجوسي من ذلك فإنه يحل ، نص عليه .

                                                                                                                          ( ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا ) أو سمكة في بطن أخرى ( أو طائرا ، فوجد في حوصلته حبا ، أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم ) صححه المؤلف والجد ، ونصره في الشرح ، لقوله عليه السلام : أحل لنا [ ص: 230 ] ميتتان ودمان . الخبر . ولأنه حيوان طاهر في محل طاهر ، لا تعتبر له ذكاة ، فأبيح كالطافي ( وعنه : يحرم ) لأنه رجيع ، فيكون مستخبثا ، وفي عيون المسائل : يحرم جراد في بطن سمك ، لأنه من صيد البر ، وميتته حرام ، لا العكس كحل ميتة صيد البحر .

                                                                                                                          تنبيه : يحرم بول طاهر كروثه ، وأباحه القاضي ، وذكر رواية في بول الإبل وفاقا لمحمد بن الحسن ، ونقل الجماعة فيه : لا ، وكلامه في الخلاف يدل على حل بوله وروثه ، لأنه معتاد يحلله كاللبن ، وبأنه تبع للحم ، واحتج في الفصول بإباحة شربه كاللبن ، ودلت على الوصف قصة العرنيين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية