الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : أخذ السفاتج بالمال على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون بدين ثابت .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون بقرض حادث .

                                                                                                                                            فأما الدين الثابت إذا سأل صاحبه من هو عليه أن يكتب له به سفتجة إلى بلد آخر لم يلزمه إلا أن يشاء ، فلو اتفقا على كتب سفتجة جاز .

                                                                                                                                            وأما القرض فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما أن يكون مشروطا فيه كتب السفتجة ، إما من جهة المقرض فيقول هو ذا أقرضتك لتكتب لي به سفتجة إلى بلد كذا ، أو من جهة المقترض فيقول : هو ذا أقترض منك لأكتب لك في سفتجة إلى بلد كذا فهذا قرض باطل لا يصح أخذ السفتجة به لأنه قرض جر منفعة .

                                                                                                                                            [ ص: 468 ] والثاني : أن يكون قرضا مطلقا ثم يتفقان على كتب سفتجة فيجوز هذا كالدين ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حال السفتجة بالدين من أحد أمرين إما أن يكون بلفظ الحوالة أو بلفظ الأمر والرسالة ، فإن كانت بلفظ الحوالة فإذا وردت السفتجة إلى المكتوب إليه لزمه أداؤها بأربعة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعترف بدين المكاتب .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعترف بدين المكتوب له .

                                                                                                                                            والثالث : أن يعترف بأنه كتاب المحيل .

                                                                                                                                            والرابع : أن يعترف أنه كتبه مريدا أنه الحوالة فإذا اعترف بهذه الأربعة لزمه أداء ما في السفتجة من الدين ، سواء ضمنه لفظا أم لا ، وإن اعترف بدين الكاتب وأنكر دين المكتوب له أو اعترف بدينهما وأنكر الكتاب لم تلزمه الحوالة .

                                                                                                                                            ولو اعترف بدينهما وبالكتابة وأنكر أن يكون المكاتب أراد به الحوالة فالمذهب الذي يوجبه القياس أن الحوالة لا تلزمه .

                                                                                                                                            ومن أصحابنا من قال : متى اعترف بالكتاب والدين لزمته الحوالة وإن أنكر الإرادة اعتمادا على العرف وأن الوصول إلى الإرادة متعذر ، فلو لم يعترف بالكتاب لكن أجاب إلى دفع المال ليكون مضمونا عليه إلى أن تصح الحوالة جاز ، واختلف أصحابنا هل يجوز له استرجاع المال منه قبل صحة الحوالة على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز اعتبارا بالشرط ، وأن له استرجاعه بعد العلم ببطلان الحوالة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو قول أبي عبد الله الزبيري يجوز له استرجاع المال منه متى شاء ما لم تثبت صحة الحوالة لأن المال لا يلزمه إلا بعد صحة الحوالة .

                                                                                                                                            أما إذا كانت السفتجة بلفظ الأمر والرسالة لم تلزم المكتوب إليه إلا أن يضمنها لفظا سواء اعترف بالكتاب والدين أم لا ، وهو قول محمد بن الحسن ، وقال أبو يوسف : إذا قرأها وتركها ترك رضا لزمته ، وقال غيره من العراقيين : إذا أثبتها في حسابه لزمته .

                                                                                                                                            وكل هذا عندنا لا يلزم به السفتجة ، وكذلك لو كتب على ظهرها أنها صحيحة قد قبلتها ، حتى يضمنها لفظا ثم لا تلزم الكاتب إلا أن يعترف بها لفظا فلا تلزمه باعترافه بالخط ، ومن أصحابنا من قال : إن اعترف بالخط لزمه وهو قول من زعم أن المكتوب إليه إن اعترف بالخط في الحوالة لزمته وهو غير صحيح في الموضعين .

                                                                                                                                            آخر كتاب الضمان بحمد الله ومنه وتوفيقه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية