الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6527 باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرح نحو قوله: السام عليك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب فيما عرض بتشديد الراء، من التعريض، وهو خلاف التصريح، وهو نوع من الكناية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وغيره" أي وغير الذمي نحو المعاهد ومن يظهر الإسلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بسب النبي صلى الله عليه وسلم " أي بتنقيصه، ولكن لم يصرح بل بالتعريض نحو قوله السام بفتح السين المهملة وتخفيف الميم، وهو الموت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عليك " هكذا بالإفراد في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره: عليكم، فقيل: ليس فيه تعريض السب، وأجيب بأنه لم يرد به التعريض المصطلح عليه، وهو أن يستعمل لفظا في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده، والظاهر أن البخاري اختار في هذا مذهب الكوفيين ، فإن عندهم أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه ، فإن كان ذميا عزر ولا يقتل، وهو قول الثوري ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: إن كان مسلما صار مرتدا بذلك، وإن كان ذميا لا ينتقض عهده، وقال الطحاوي : وقول اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (السام عليك) لو كان مثل هذا الدعاء من مسلم لصار به مرتدا يقتل، ولم يقتل الشارع القائل به من اليهود ; لأن ما هم عليه من الشرك أعظم من سبه، فإن قلت: من أين يعلم أن البخاري اختار في هذا مذهب الكوفيين ولم يصرح بالجواب في الترجمة؟ قلت: عدم تصريحه يدل على ذلك، إذ لو اختار غيره لصرح به، ويؤيده أن حديث الباب لا يدل على قتل من يسبه من أهل الذمة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتله، فإن قلت: إنما لم يقتله لمصلحة التأليف، أو لعدم قيام البينة بالتصريح.

                                                                                                                                                                                  قلت: لم يقتلهم بما هو أعظم منه، وهو الشرك كما ذكرناه، على أن قوله (السام عليك) الدعاء بالموت، والموت لا بد منه، فإن قلت: قتل النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشرف ، فإنه قال: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله ؟ ووجه إليه من قتله غيلة، وقتل أبا رافع ، قال البزار : كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه ، وفي حديث آخر: أن رجلا كان يسبه، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال خالد : أنا، فبعثه إليه فقتله . قال ابن حزم : وهو حديث صحيح مسند رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بلقين ، وقال ابن المديني ، وهو اسمه، وبه يعرف، وذكر عبد الرزاق أنه - صلى الله عليه وسلم - سبه رجل فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير : أنا، فقتله .

                                                                                                                                                                                  قلت: الجواب في هذا كله أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلهم بمجرد سبهم، وإنما كانوا عونا عليه، ويجمعون من يحاربونه، ويؤيده ما رواه البزار ، عن ابن عباس أن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معاشر قريش ما لي أقتل من بينكم صبرا؟ فقال له - صلى الله تعالى عليه وسلم - بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، على أن هؤلاء كلهم لم يكونوا من أهل الذمة، بل كانوا مشركين يحاربون الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية