الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        أنه لا يمكن التعارض بين دليلين قطعيين اتفاقا ، سواء كانا عقليين ، أو نقليين ، هكذا حكى الاتفاق الزركشي في البحر .

                        قال الرازي في المحصول : الترجيح لا يجوز في الأدلة اليقينية ؛ لوجهين :

                        ( الأول ) : أن شرط اليقيني أن يكون مركبا من مقدمات ضرورية ، أو لازمة عنها لزوما ضروريا ، إما بواسطة واحدة ، أو وسائط ، شأن كل واحدة منها ذلك ، وهذا لا يتأتى إلا عند اجتماع علوم أربعة :

                        ( الأول ) : العلم الضروري بحقية المقدمات ، إما ابتداء أو انتهاء .

                        ( والثاني ) : العلم الضروري ( بصحة تركيبها .

                        ( والثالث ) : العلم الضروري بلزوم النتيجة عنها .

                        ( والرابع ) : العلم الضروري ) بأن ما يلزم عن الضروري لزوما ضروريا فهو ضروري .

                        فهذه العلوم الأربعة يستحيل حصولها في النقيضين معا ، وإلا لزم القدح في الضروريات ، وهو سفسطة ، وإذا علم ثبوتها امتنع التعارض .

                        [ ص: 782 ] ( الثاني ) الترجيح عبارة عن التقوية ، والعلم اليقيني لا يقبل التقوية ؛ لأنه إن قارنه احتمال النقيض ، ولو على أبعد الوجوه ، كان ظنا لا علما ، وإن لم يقارنه ذلك لم يقبل التقوية . انتهى .

                        وقد جعل أهل المنطق شروط التناقض في القضايا الشخصية ثمانية : اتحاد الموضوع ، والمحمول والإضافة والكل ، والجزء ، في القوة والفعل ، وفي الزمان ، والمكان .

                        وزاد بعض المتأخرين ( تاسعا ) وهو : اتحادهما في الحقيقة والمجاز ، نحو قوله - تعالى - : وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ورد هذا بعضهم بأنه راجع إلى وحدة الإضافة ، أي تراهم بالإضافة إلى أهوال يوم القيامة سكارى ، مجازا ، وما هم بسكارى ، بالإضافة إلى الخمر .

                        ومنهم من رد الثمانية إلى ثلاثة : الاتحاد في الموضوع والمحمول والزمان .

                        ومنهم من ردها إلى اثنين : الاتحاد في الموضوع ، والمحمول ، ولاندراج وحدة الزمان تحت وحدة المحمول .

                        ومنهم من ردها إلى أمر واحد ، وهو الاتحاد في النسبة .

                        وهذه الشروط على هذا الاختلاف فيها لا يخص الضروريات ، وإنما ذكرناها هاهنا لمزيد الفائدة بها .

                        ومما لا يصح التعارض فيه إذا كان أحد المتناقضين قطعيا ، والآخر ظنيا ؛ لأن الظن ينتفي بالقطع بالنقيض ، وإنما يتعارض الظنيان ، سواء كان المتعارضان نقليين ، أو عقليين ، أو كان أحدهما نقليا ، والآخر عقليا ، ويكون الترجيح بينهما بما سيأتي .

                        وقد منع جماعة وجود دليلين ينصبهما الله - تعالى - في مسألة ، متكافئين في نفس الأمر ، بحيث لا يكون لأحدهما مرجح ، وقالوا : لا بد أن يكون أحدهما أرجح من الآخر في نفس الأمر ، وإن جاز خفاؤه على بعض المجتهدين ، ولا يجوز تعارضهما في نفس الأمر ، من كل وجه .

                        قال إلكيا وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء ، وبه قال العنبري .

                        [ ص: 783 ] وقال ابن السمعاني : وهو مذهب الفقهاء ونصره ، وحكاه الآمدي عن أحمد بن حنبل عن أحمد القاضي وأبو الخطاب من أصحابه ، وإليه ذهب أبو علي ، وأبو هاشم عن القاضي أبي بكر الباقلاني .

                        قال إلكيا وهو المنقول عن الشافعي ، وقرره الصيرفي في شرح الرسالة فقال قد صرح الشافعي بأنه لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبدا حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص ، والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ ، وإن لم يجده ، انتهى . وفصل القاضي من الحنابلة بين مسائل الأصول فيمتنع ، وبين مسائل الفروع فيجوز .

                        وحكى الماوردي والروياني عن الأكثرين أن التعارض على جهة التكافؤ ، في نفس الأمر ، بحيث لا يكون أحدهما أرجح من الآخر جائز وواقع .

                        وقال القاضي أبو بكر ، والأستاذ أبو منصور ، والغزالي ، وابن الصباغ : الترجيح بين الظواهر المتعارضة إنما يصح على قول من قال : إن المصيب في الفروع واحد ، وأما القائلون : بأن كل مجتهد مصيب ، فلا معنى لترجيح ظاهر على ظاهر ؛ لأن الكل صواب عنده .

                        واختار الفخر الرازي ، وأتباعه ، أن تعادل الأمارتين على حكم واحد في فعلين متباينين جائز وواقع ، وأما تعارضهما متباينين في فعل واحد ، كالإباحة والتحريم ، فإنه جائز عقلا ممتنع شرعا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية