الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ووقت الوقوف من ) حين ( الزوال ) للشمس ( يوم عرفة ) وهو تاسع الحجة لما صح { أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال وأنه قال من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج } وإنما لم يعتبر هنا مضي قدر الخطبتين والصلاة بعد الزوال للإجماع على اعتبار الزوال بل جوزه أحمد قبله فالوجه القائل باشتراط ذلك كما في الأضحية شاذ ، ولعل الفرق التسهيل على الحاج لكثرة أعماله فوسع له الوقت ولم يضيق عليه باشتراط توقفه على شيء آخر بعد الزوال بخلاف المضحي ( والصحيح بقاؤه إلى الفجر يوم النحر ) للخبر المار ، والثاني لا يبقى إلى ذلك بل يخرج بغروب الشمس ( ولو ) ( وقف نهارا ) بعد الزوال ( ثم فارق عرفة قبل الغروب ) ولم يعد إليها أجزأه ذلك و ( أراق دما استحبابا ) كدم التمتع خروجا من خلاف من أوجبه وعلم من ذلك عدم وجوب الجمع بين الليل والنهار ( وفي قول يجب ) لتركه نسكا وهو الجمع بين الليل والنهار ، والأصل في ترك النسك وجوب الدم إلا ما خرج بدليل ( وإن عاد ) إليها ( فكان بها عند الغروب بلا دم ) يؤمر به جزما لجمعه بينهما ( وكذا إن عاد ) إليها ( ليلا ) فلا دم عليه ( في الأصح ) لما مر .

                                                                                                                            والثاني يجب الدم ; لأن النسك الوارد الجمع بين آخر النهار وأول الليل وقد فوته ( ولو ) ( وقفوا اليوم العاشر غلطا ) أي لأجل الغلط لظنهم أنه التاسع كأن غم عليهم هلال الحجة فأكملوا الحجة ثلاثين ثم بان أنه تسعة وعشرون ، وإن كان وقوفهم بعد تبين أنه العاشر كما إذا ثبت ليلا ولم يتمكنوا من الوقوف فيه فيصح للإجماع ; ولأنهم لو كلفوا بالقضاء لم يأمنوا وقوع مثله فيه ; ولأن فيه مشقة عامة ، فقول المصنف غلطا مفعول له لا حال ، وقول الشارح بأن غم عليهم هلال ذي القعدة : أي الهلال الفاصل بين ذي القعدة والحجة ، وليس من الغلط المراد لهم ما إذا وقع ذلك بسبب الحساب كما ذكره الرافعي ( أجزأهم ) وقوفهم وإذا وقفوا العاشر غلطا لم يصح وقوفهم فيه قبل الزوال كما بحثه الأذرعي بل بعده ، ولا يصح رمي يوم نحره إلا بعد نصف الليل وتقدم الوقوف ولا ذبح إلا بعد طلوع شمس الحادي عشر ومضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفات ، وأيام التشريق تمتد على حساب وقوفهم كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ، فقد قال المتولي : إن وقوفهم في العاشر يقع أداء لا قضاء ; لأنه لا يدخله القضاء أصلا ، وقد قالوا : ليس يوم الفطر أول شوال مطلقا بل يوم يفطر الناس ، وكذا يوم النحر يوم يضحي الناس ، يوم عرفة اليوم الذي يظهر لهم أنه يوم عرفة سواء التاسع والعاشر لخبر { الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس } رواه الترمذي وصححه وفي رواية للشافعي { وعرفة يوم يعرف الناس } .

                                                                                                                            ومقتضى كلام المصنف أنهم لو وقفوا ليلة الحادي عشر لا يجزئ وهو ما صححه القاضي حسين ، لكن بحث السبكي الإجزاء كالعاشر ; لأنه من تتمته ، وهو مقتضى كلام الحاوي الصغير وفروعه وإفتاء الوالد وهو الأقرب ، ومن رأى الهلال وحده أو مع غيره وشهد به فردت شهادته يقف [ ص: 300 ] قبلهم لا معهم يجزئه إذ العبرة في دخول وقت عرفة وخروجه باعتقاده ، وهذا كمن شهد برؤية هلال رمضان فردت شهادته ، وقياسه وجوب الوقوف على من أخبره بذلك ووقع في قلبه صدقه ( إلا إن نقلوا على خلاف العادة فيقضون في الأصح ) لعدم المشقة العامة والثاني لا قضاء ; لأنهم لا يأمنون مثله في القضاء ( وإن وقفوا في ) اليوم ( الثامن ) غلطا بأن شهد شاهدان برؤية هلال ذي الحجة ليلة الثلاثين من القعدة ثم بانا كافرين أو فاسقين ( وعلموا قبل ) فوت ( الوقوف ) ( وجب الوقوف في الوقت ) تداركا له ( وإن علموا بعده ) أي بعد فوت وقت الوقوف ( وجب القضاء ) لهذه الحجة في عام آخر ( في الأصح ) لندرة الغلط ، وفارق العاشر بأن تأخير العبادة عن وقتها أقرب إلى الحساب من تقديمها عليه ، وبأن الغلط بالتقدم يمكن الاحتراز عنه ; لأنه إنما يقع لغلط في الحساب أو خلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال ، والغلط بالتأخير قد يكون بالغيم الذي لا حيلة في دفعه .

                                                                                                                            والثاني لا يجب القضاء عليهم قياسا على ما إذا غلطوا بالتأخير ، وفرق الأول بما مر ، ولو غلطوا يومين فأكثر أو في المكان لم يصح جزما لندرة ذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لما مر ) أي من قوله لجمعه بينهما ( قوله : بسبب الحساب ) أي فلا يجزيهم حجهم لتقصيرهم بعد تحرير الحساب ( قوله : لكن بحث السبكي الإجزاء ) هو المعتمد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لا حال ) أي لأن الحال مقيدة فيفيد أن الحكم قاصر على ما لو كان الوقوف في حال الغلط { الوقوف بعرفة } فتخرج الصورة المارة في كلام الشارح ( قوله : ما إذا رفع ذلك بسبب الحساب ) أي فلا يجزئهم ووجهه نسبتهم إلى التقصير في الحساب ( قوله : لأنه لا يدخله القضاء أصلا ) بمعنى أنه لا يصح في غير يومه المخصوص { الوقوف بعرفة } في غير الغلط المار وإلا فهو يقضي بالإفساد كما يأتي ( قوله : وشهد به فردت شهادته ) [ ص: 300 ] ليس بقيد فالمدار على أنه رآه ( قوله قبلهم لا معهم ) ظاهره وإن لم يمكنه الوقوف إلا معهم ( قوله وقياسه وجوب الوقوف على من أخبره ) وانظر هل يجري هنا ما مر في الصوم بالعمل بالحساب .




                                                                                                                            الخدمات العلمية