الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وزارة الصالح طلائع بن رزيك

كان السبب في وزارة الصالح طلائع بن رزيك أن عباسا ، لما قتل الظافر وأقام الفائز ، ظن أن الأمر يتم له على ما يريده ، فكان الحال خلاف ما اعتقده ، فإن الكلمة اختلفت عليه ، وثار به الجند والسودان ، وصار إذا أمر بالأمر لا يلتفت إليه ولا يسمع قوله ، فأرسل من بالقصر من النساء والخدم إلى الصالح طلائع بن زريك يستغيثون به ، وأرسلوا شعورهم طي الكتب ; وكان في منية بني حصيب واليا عليها وعلى أعمالها ، [ ص: 214 ] وليست من الأعمال الجليلة ، وإنما كانت أقرب الأعمال إليهم ، وكان فيه شهامة ، فجمع ليقصد عباسا ، وسار إليه ، فلما سمع عباس ذلك خرج من مصر نحو الشام بما معه من الأموال التي لا تحصى كثرة ، والتحف والأشياء التي لا توجد إلا هناك مما كان أخذه من القصر . فلما سار وقع به الفرنج فقتلوه وأخذوا جميع ما معه فتقووا به .

وسار الصالح فدخل القاهرة بأعلام سود وثياب سود حزنا على الظافر ، والشعور التي أرسلت إليه من القصر على رءوس رماح ، وكان هذا من الفأل العجيب ، فإن الأعلام السود العباسية دخلتها وأزالت الأعلام العلوية بعد خمس عشرة سنة .

ولما دخل الصالح القاهرة خلع عليه خلع الوزارة ، واستقر في الأمر ، وأحضر الخادم الذي شاهد قتل الظافر ، فأراه موضع دفنه ، فأخرجه ونقله إلى مقابرهم بالقصر .

ولما قتل الفرنج عباسا أسروا ابنه ، فأرسل الصالح إلى الفرنج وبذل لهم مالا وأخذه منهم ، فسار من الشام مع أصحاب الصالح ، فلم يكلم أحدا منهم كلمة إلى أن رأى القاهرة فأنشد :


بلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العواثر



وأدخل القصر ، فكان آخر العهد به ، فإنه قتل ، وصلب على باب زويلة ، واستقصى الصالح بيوت الكبار والأعيان بالديار المصرية فأهلك أهلها وأبعدهم عن ديارهم ، وأخذ أموالهم ، فمنهم من هلك ، ومنهم من تفرق في بلاد الحجاز واليمن وغيرهما ; فعل ذلك خوفا منهم أن يثوروا عليه وينازعوه في الوزارة ; وكان ابن منقذ قد هرب مع عباس ، فلما قتل هرب إلى الشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية