الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 129 ] 17 - باب القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره

                                                                                                                        1408 م - قال مالك : الأمر عندنا فيمن استهلك شيئا من الحيوان بغير إذن صاحبه ، أن عليه قيمته يوم استهلكه . ليس عليه أن يؤخذ بمثله من الحيوان . ولا يكون له أن يعطي صاحبه ، فيما استهلك ، شيئا من الحيوان . ولكن عليه قيمته يوم استهلكه . القيمة أعدل ذلك فيما بينهما ، في الحيوان والعروض .

                                                                                                                        قال : وسمعت مالكا يقول ، فيمن استهلك شيئا من الطعام بغير إذن صاحبه : فإنما يرد على صاحبه مثل طعامه . بمكيلته من صنفه . وإنما الطعام بمنزلة الذهب والفضة . إنما يرد من الذهب الذهب . ومن الفضة الفضة . وليس الحيوان بمنزلة الذهب في ذلك . فرق بين ذلك السنة ، والعمل المعمول به .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        32103 - قال أبو عمر : أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمت - أن من استهلك ذهبا ، أو ورقا ، أو طعاما مكيلا ، أو موزونا أنه عليه مثل ما استهلك من صنفه بوزنه وكيله على ظاهر قول الله عز وجل : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [ النحل : 126 ] .

                                                                                                                        32104 - واختلفوا فيمن استهلك شيئا من الحيوان :

                                                                                                                        32105 - فقال منهم قائلون : لا يقضي بالقيمة في شيء من الأشياء إلا عند عدم المثل .

                                                                                                                        [ ص: 130 ] 32106 - وممن قال ذلك : الشافعي ، وأبو حنيفة ، وداود ، وأصحابهم .

                                                                                                                        32107 - وحجتهم قول الله عز وجل : وإن عاقبتم . . . الآية .

                                                                                                                        32108 - ومن الأثر ما حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثني خالد ، قال : أبو داود : وحدثني مسدد ، قال : حدثني يحيى ، جميعا عن حميد ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، قال : فضربت بيدها ، فكسرت القصعة .

                                                                                                                        قال ابن المثنى في حديثه : فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرتين ، فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ، ويقول : غارت أمكم ، كلوا فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها ، زاد ابن المثنى : كلوا ; فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها - ثم رجع إلى لفظ حديث مسدد ، وقال : كلوا ، وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول ، وحبس المكسورة في بيته .

                                                                                                                        32109 - قال أبو داود : وحدثني مسدد ، قال حدثني يحيى ، عن سفيان الثوري ، قال : حدثني فليت العامري ، قال أبو داود : وهو أفلت بن خليفة ، عن جسرة بنت دجاجة ، قالت : قالت عائشة : ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية ، صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما فبعثت به ، فأخذني أفكل ، فكسرت الإناء ، فقلت : يا رسول [ ص: 131 ] الله ! ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء ، وطعام مثل طعام .

                                                                                                                        32110 - واحتج بهذا كل من قال بالمثل في العروض ، وغيرها ; لأنه ضمن القصعة بقصعة مثلها ، كما ضمن الطعام بطعام مثله .

                                                                                                                        32111 - وقال مالك ، ومن تابعه : لا يقضى في الحيوان من العروض ، وغيره إلا بالقيمة .

                                                                                                                        32112 - وحجتهم حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى فيمن أعتق شركا له في عبد بقيمة حصة شريكه دون حصته من عبد مثله .

                                                                                                                        32113 - قال أبو عمر : المثل لا يوصل إليه إلا بالاجتهاد ، وكما أن القيمة تدرك بالاجتهاد ، وقيمة العدل في الحقيقة مثل .

                                                                                                                        32114 - وقد قال العراقيون في قول الله عز وجل فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] : إن القيمة مثل في هذا الموضع ، فتناقضوا .

                                                                                                                        32115 - والحديث في القضاء بالقيمة في الشقص من العبد أصح من حديث القصعة ، فهو أولى أن يمتثل ، ويعمل ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية