الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6574 وقال بعض الناس: إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك ، ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما ، فخالف الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الهبة وأسقط الزكاة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أراد به التشنيع أيضا على أبي حنيفة من غير وجه ; لأن أبا حنيفة في أي موضع قال هذه المسألة على هذه الصورة ، بل الذي قاله أبو حنيفة هو أن الواهب له أن يرجع في هبته ، ولكن لصحة الرجوع قيود:

                                                                                                                                                                                  الأول: أن يكون أجنبيا.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أن يكون قد سلمها إليه ; لأنه قبل التسليم يجوز مطلقا.

                                                                                                                                                                                  والثالث: أن لا يقترن بشيء من الموانع ، وهي مذكورة في موضعها ، واستدل في جواز الرجوع بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها أي ما لم يعوض . رواه أبو هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  أما حديث أبي هريرة ، فأخرجه ابن ماجه في الأحكام من حديث عمرو بن دينار ، عن أبي هريرة ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني من حديث عطاء عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم من حديث سالم بن عبد الله ، يحدث عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، فكيف يحل أن يقال في حق هذا الإمام الذي علمه وزهده لا يحيط بهما الواصفون أنه خالف الرسول ؟ وكيف خالفه وقد احتج فيما قاله بأحاديث هؤلاء الثلاثة من الصحابة الكبار ؟ وأما الحديث الذي احتج به مخالفوه ، وهو ما رواه البخاري الذي يأتي الآن ، ورواه أيضا الجماعة غير الترمذي عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه . فلم ينكره أبو حنيفة ، بل عمل بالحديثين معا: فعمل بالحديث الأول في جواز الرجوع ، وبالثاني في كراهة الرجوع لا في حرمة الرجوع كما زعموا ، وقد شبه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رجوعه بعود الكلب في قيئه ، وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة ، وهو يقول به لأنه مستقبح ، ولقائل أن يقول للقائل الذي قال إن أبا حنيفة خالف الرسول: أنت خالفت الرسول في الحديث الذي يحتج به على عدم الرجوع ; لأن هذا الحديث يعم منع الرجوع مطلقا ، سواء كان الذي يرجع منه أجنبيا أو والدا له. فإن قلت: روى أصحاب السنن الأربعة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده . قلت: هذا بناء على أصلهم أن للأب حق التملك في مال الابن ; لأنه جزؤه ، فالتمليك منه كالتمليك من نفسه من وجه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "واحتال في ذلك " فسره بعضهم بقوله: بأن تواطأ مع الموهوب له على ذلك. قلت: لم يقل أحد من أصحاب أبي حنيفة أن أبا حنيفة أو أحدا من أصحابه قال ذلك ، وإنما هذا اختلاق لتمشية التشنيع عليهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية