الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو الإسقاط )

                                                                                                                            ش : يعني أن الحاضنة إذا أسقطت حضانتها لم يعد إليها ، وهذا إذا كان ذلك بعد وجوب الحضانة ، وأما إن أسقطت حقها من الحضانة قبل وجوبها ففي ذلك خلاف ، قال المشذالي في كتاب الشفعة وتسليم الشفعة قبل الشراء : قال لي ابن عرفة الفتوى عندنا فيمن خالع زوجته على أن تسقط هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة ; لأنها أسقطت ما لم يجب لها ، انتهى . وقال ابن ناجي في كتاب الشفعة في شرح قول المدونة : ولو قال المبتاع قبل الشراء اشتر لي فقد أسلمت لك الشفعة وأشهد بذلك فله القيام بعد الشراء ; لأنه سلم ما لم يجب له بعد ، قال بعض شيوخنا على ما بلغني يؤخذ منها ما به الفتوى أن من خالع زوجته على إن أسقطت هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة ; لأنها أسقطت ما لم يجب لها وفيها خلاف ، انتهى . ثم قال المشذالي إثر كلامه المتقدم : قال المتيطي ذكر ابن العطار في وثائقه في عقد تسليم الأم ابنها إلى أبيه : وعلى إن سلمت إليه ابنها منه وأسقطت حضانتها فيه وقطعت أمها فلانة أو أختها فلانة حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها ، وانتقد ذلك ابن الفخار وقال : الصواب أن يقال : ثم قطعت حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها ، فيدل هذا اللفظ أن الجدة قطعت حجتها بعد أن وجب لها ذلك ، وأما بالواو التي لا تفيد رتبة فكأنها قطعت حجتها قبل وجوب الحضانة لها ، فلا يلزمها والله أعلم .

                                                                                                                            قال المشذالي وتفرقة ابن الفخار بين العاطفين ضعيفة في المعنى فتأمله ، ثم قال المتيطي وهذا أصل مختلف فيه على ما وقع في المدونة في غير كتاب منها ، انتهى . فعلم من هذا أن الراجح الذي عليه الفتوى في إسقاط الحضانة قبل وجوبها عدم اللزوم ، وأن صورة ذلك أن يسقط من له الحضانة بعد الأم حضانته قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا ، وأنه ليس من ذلك إسقاط الأم حقها من الحضانة في حال العصمة ، وإلا لكان حكمها حكم الجدة والخالة ولم يفرق بينهما ، وأيضا فلا يمكن أن يقال : إن الأم لا حضانة لها في حال العصمة ; لأنها إذا وجبت لها الحضانة بعد الطلاق فأحرى في حالة العصمة ، وقد صرح بذلك ابن عرفة فقال : لما تكلم على الحضانة ومستحقها وأبو الولد زوجا لها ، وفي افتراقهما أصناف : الأول الأم إلخ ، ولا أعلم أحدا أجاز للأب أخذ ولده من أمه في حال العصمة بل ذكر اللخمي في الشروط الناقضة لمقتضى العقد أن يتزوج المرأة على أن لا يكون الولد عندهما ، وأنه إن تزوجها على ذلك فسخ النكاح قبل الدخول ، وصح بعده وسقط الشرط ، وليس المراد ولدها من غيره ; لأن ذلك لازم صحيح إذا كان للولد من يحضنه كما ذكر ذلك المصنف في أول باب النفقات ، حيث قال : كولد صغير لأحدهما إن كان له حاضن والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال المشذالي إثر كلامه المتقدم : وهذا الخلاف يعني فيمن أسقط حقه من الحضانة [ ص: 219 ] قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا إنما هو إذا حضرت الجدة أو الخالة وأشهدت على نفسها بإسقاط ما يرجع إليها من الحضانة ، وأما إن لم تشهد على نفسها بذلك ففيه خلاف أيضا ، قال المتيطي الذي عليه العمل وقاله غير واحد من الموثقين : إن الأم إذا أسقطت حقها في الحضانة بشرط في عقد المبارأة كما ذكرنا أن ذلك يرجع إلى الجدة أو الخالة ، وقاله أبو عمران قال : القياس أن لا يسقط حق الجدة بترك الأم ، وقال غيره من القرويين يسقط بذلك حق الجدة والخالة ولا كلام لهما في ذلك ، انتهى . وقال ابن عرفة وفي إمضاء نقل ذي حضانة إياها لغيره على من هو أحق بها من المنقول إليه نقل ابن رشد مع أخذه من قولها : إن صالحت زوجها على كون الولد عنده جاز وكان أحق به ظاهره ولو كان له جدة ، ونقله قائلا : كالشفعاء ليس لمن هو أحق بالشفعة تسليمها لشريك غيره أحق بها منه . اللخمي إن تزوجت الأم أخذته الجدة ثم أحبت أن تسلمه لأخته لأبيه فله منعها ; لأنه أقعد منها ، وإن أمسكته ثم طلقت الأم لم يكن له منعها من رده لأمه ; لأنه نقل لما هو أفضل .

                                                                                                                            ( قلت : ) إنما يتم هذا على أن تزويج الأم لا يسقط حضانتها دائما ، بل ما دامت زوجة ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( إلا لكمرض )

                                                                                                                            ش : أي فلها أن تأخذه بعد زوال المرض ونحوه إلا أن تتركه بعد زوال العذر سنة ونحوها فليس لها أن تأخذه ، قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق السنة ، وحكى في الرسم المذكور أيضا خلافا فيما إذا مات هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده أم لا ، ونص كلامه : ( مسألة ) قال ابن القاسم : سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها وله منها ولد فردته عليه استثقالا له ثم طلبته : لم يكن ذلك لها ، قال ابن رشد وهذا كما قال : إنها إذا ردته إليه استثقالا له فليس لها أن تأخذ ; لأنها قد أسقطت حقها في حضانته إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون ، وهو قول ابن الماجشون ، ولو كانت إنما ردته إليه من عذر مرض أو انقطاع لبنها لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن على ما وقع لمالك في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق ، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمد السنة وشبهها لم يكن لها أن تأخذه ، واختلف إن مات هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده ، قال في آخر رسم من سماع أشهب ليس لها أن تأخذه ; لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته ، وقد قيل : إن لها أن تأخذه إذا مات ; لأن تركها له عند أبيه إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للأب خاصة ، وكذلك إذا قامت الجدة بعد السنة لم يكن لها أن تأخذه ، وقال ابن نافع لها أن تأخذه ، ومثله لابن القاسم في المدونة أن لها أن تأخذه إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه ، وهذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالإقرار والإذن أم لا ، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية