الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وببعني فيقول بعتك )

                                                                                                                            ش : هو داخل في حيز المبالغة ويعني أن البيع ينعقد بقول المشتري للبائع بعني سلعتك بكذا إذا قال له البائع بعتك يريد أو صدر منه شيء يدل على الرضا من قول أو فعل ونبه المصنف بهذا على فائدتين الأولى منهما أنه لا يشترط في انعقاد البيع أن يتقدم ما يدل على الإيجاب على ما يدل على الرضا كما يقوله بعض الشافعية والثانية أن المعتبر في الأقوال كونها دالة على الرضا في العرف .

                                                                                                                            ولو كانت في أصل اللغة على غير ذلك أو فيها احتمال لذلك ولغيره ; فإن قول المشتري لمن بيده سلعة بعني سلعتك بعشرة لا يدل صريحا على إيجاب البيع من جهة المشتري ; لأنه إما آمر للبائع أن يبيعه أو ملتمس منه ذلك ويحتمل أن يكون راضيا به أو غير راض به لكن العرف دال على أن قائل ذلك طالب ومريد للبيع وراض به ; لأن بعني صريح في أمر المشتري للبائع بالبيع واستدعائه منه وطلبه له وإرادته إياه وحصول مطلوب يصير به مبتاعا ، فإذا أجابه البائع بحصول مطلوبه فقد تم له ما أراده من وجود البيع ، وظاهر كلام المصنف أن البيع ينعقد في هذه المسألة ويلزم المشتري إذا أجابه البائع بما يدل على الرضا ، ولو ، قال البائع بعد بعتك لا أرضى ; لأني لم أرد إيجاب البيع ويعد ، قوله : بعد ذلك لا أرضى ندما وليست كمسألة السوم الآتية ولذلك لم يجمعها معها ، وهذا القول لمالك في كتاب ابن المواز ، وقاله ابن القاسم وعيسى بن دينار في كتاب ابن مزين واختاره ابن المواز ورجحه وكذا نقله ابن عرفة ورجحه أبو إسحاق التونسي واقتصر عليه الباجي ونصه البيع يفتقر إلى إيجاب وقبول ويلزم بوجودهما بلفظ الماضي ، وإذا ، قال بعني فيقول البائع بعتك فحكى أصحابنا العراقيون أنه ينعقد به ، وقال أبو حنيفة والشافعي لا ينعقد حتى يقول المشتري بعد اشتريت والدليل على ما نقلوه أن كل ما كان إيجابا وقبولا في عقد النكاح كان كذلك في البيع إذا ثبت ذلك فليس للإيجاب والقبول لفظ معين .

                                                                                                                            وكل لفظ أو إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم به البيع وسائر العقود إلا أن في الألفاظ ما هو صريح مثل بعتك بكذا فيقول قبلت أو ابتعت منك فيقول بعت فهذا يلزمها ، وأما الألفاظ المحتملة ، فلا يلزم البيع [ ص: 230 ] بها بمجردها حتى يتنزل بها عرف أو عادة أو ما يدل على البيع مثل أن يقول المبتاع بكم فيقول البائع بدينار فيقول قبلت فيقول البائع لا أبيعك ; فإن كان في سوق تلك السلعة فروى أشهب يلزمه البيع ، وروى ابن القاسم يحلف ما ساومه على البيع ، ولا يلزمه ، انتهى . والقول ملزوم البيع في هذه المسألة التي ذكرها المصنف ، ولو قال المشتري لا أرضى هو خلاف قول ابن القاسم في المدونة ; فإنه يسوى بينها وبين مسألة المساومة الآتية ، قال في كتاب الغرر ; فإن ، قلت : لرجل بعني سلعتك بعشرة ، وقال قد فعلت فقلت لا أرضى ، قال ، قال مالك فيمن وقف سلعة للسوم فقلت له : بكم ؟ فقال : بعشرة فقلت قد رضيت ، فقال : لا أرضى أنه يحلف ما ساومتك على إيجاب البيع ، ولكن لما لم يذكر فإن لم يحلف لزمه البيع ، قال ابن القاسم فكذلك مسألتك ، انتهى . ونسب هذا القول أيضا لمالك في كتاب ابن المواز ، قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب وعليه فيدخل في هذه المسألة الخلاف الآتي في مسألة السوم ، قال في التوضيح وأشار بعضهم إلى ضعف قياس ابن القاسم ، انتهى ; لأن المشتري إذا ، قال بعني فقد طلب ذلك بلفظ صريح كما تقدم

                                                                                                                            وأما في مسألة السوم فيحتمل أن يكون صاحبها أوقفها للبيع أو ليعلم المقدار الذي تساويه ثم لا يبيعها أو يبيعها من آخر طلبها منه ، فإذا ، قال له قائل : بكم ؟ فيحتمل أن يكون فهم عنه بكم تبيعها أو بكم اشتريتها ، فإذا ، قال له السائل قد رضيتها ، فلا بد من جواب البائع بما يدل على الرضا صريحا أو ظاهرا لكن لما كان كلامه الأول محتملا حلفه مالك لرفع الاحتمال وألزمه غيره البيع كما سيأتي ، والاحتمال إنما قوي في كلامه من جهة وقف السلعة للبيع وهي قرينة حالية والقرينة في المسألة الأخرى مقالية ، وهو قول المشتري بعني سلعتك بعشرة ، والمفهوم من القرينة اللفظية أقوى من القرينة المعنوية ، ولعل مالكا لو سئل عن مسألة ابن القاسم ما قبل فيها من المشتري يمينا ، وأشار إلى ذلك أيضا أبو الحسن ، قال ابن عبد السلام ولذلك اختصرها البراذعي وغيره على السؤال والجواب ، وإنما يفعلون ذلك إذا كان جواب ابن القاسم يوهم عدم المطابقة للسؤال أو قياسه مشكلا ، وإن سلمت من ذلك ذكروها بلفظ مختصر ولم يذكروا السؤال والجواب ، وكذا قال ابن عرفة ، ولهذا والله أعلم مشى المصنف على القول الأول ولم يجمعها مع مسألة السوم كما فعل ابن القاسم ، فلا اعتراض عليه في عدم ذكر المسألة كما في المدونة ، ولو قلنا مشى على مذهب المدونة فلا اعتراض عليه أيضا ، ونقول : تكلم على ما ينعقد به البيع ولم يتعرض إلى أنه وقع فيه إنكار ، ومسألة المدونة تكلم فيها على ما إذا وقع إنكار لكن المحمل الأول هو الظاهر الراجح والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية