الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1493 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يصلي ركعتين ركعتين ، ويسأل عنها ، حتى انجلت الشمس . رواه أبو داود . وفي رواية النسائي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى حين انكسفت الشمس مثل صلاتنا : يركع ويسجد .

وله في أخرى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما مستعجلا إلى المسجد وقد انكسفت الشمس ، فصلى حتى انجلت ، ثم قال : إن أهل الجاهلية كانوا يقولون : إن الشمس والقمر لا ينخسفان إلا لموت عظيم من عظماء أهل الأرض ، وإن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنهما خليقتان من خلقه ، يحدث الله في خلقه ما شاء ، فأيهما انخسف فصلوا حتى ينجلي ، أو يحدث الله أمرا .

التالي السابق


1493 - ( وعن النعمان بن بشير قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يصلي ركعتين ) ركعتين قال المظهر : يشبه أن يكون صلاها مرات ، وكان إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته ، وزاد في عدد الركوع ، وإذا قصرت نقص ، وذلك جائز يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة . قال : وذهب أكثر أهل العلم إلى هذا ، وأنه إذا طال الخسوف يزيد في عدد الركوع ، أو في إطالة القيام والركوع ، ويطول السجود كالقيام عند الشافعي ذكره الطيبي ، وهو مخالف لما في الأنوار من أن أقلها ركعتان ، في كل ركعة قيامان وركوعان ، ولا يزيد ولا ينقص ، ولو زيد أو نقص عامدا بطلت ، وناسيا يتدارك ، وكذا مخالف لقول ابن حجر ، وإذا شرع فيها بنية لم تجز الزيادة عليها ، ولا النقص عنها ، لأن جوازهما خاص بالنفل المطلق اهـ .

ثم فيه ما تقدم من ضعف القول بتعدد الكسوف مع الإشكال السابق الذي يزيده الكلام اللاحق . ( ويسأل عنها ) : قال الطيبي أي : يسأل الله بالدعاء أن يكشف عنها ، أو يسأل الناس عن انجلائها أي : كلما صلى ركعتين يسأل هل انجلت ؟ . ( حتى انجلت الشمس ) أي : ظهرت ، أو انجلى كسوفها ، فالمراد بتكرير الركعتين المرات اهـ . وهذا بظاهره ينافي الأحاديث المتقدمة ، ويقرب إلى مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - . ( رواه أبو داود ، وفي رواية النسائي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى حين انكسفت الشمس مثل صلاتنا يركع ويسجد ) أي : من غير تعدد الركوع .

( وله ) أي : للنسائي . ( في أخرى ) أي : في رواية أخرى ، . قال ابن الهمام : من حديث أبي قلابة ، عن النعمان : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما مستعجلا إلى المسجد ) : وفي رواية ابن الهمام : فخرج يجر ثوبه فزعا حتى أتى المسجد ، [ ص: 1102 ] ( وقد انكسفت الشمس ، فصلى ) وفي رواية : لم يزل يصلي . ( حتى انجلت ، ثم قال : إن أهل الجاهلية كانوا يقولون ) أي : يزعمون كما في رواية . ( إن الشمس والقمر لا ينخسفان ) وفي رواية : لا ينكسفان . ( إلا لموت عظيم من عظماء أهل الأرض ، وإن الشمس ) وفي رواية : ليس كذلك إن الشمس . ( والقمر لا ينخسفان ) .

وفي رواية : لا ينكسفان . ( لموت أحد ولا لحياته ) أي : لولادته . ( ولكنهما خليقتان من خلقه ) قال الطيبي : أي : مخلوقتان ناشئتان من خلق الله تعالى المتناول لكل مخلوق على التساوي ، ففيه تنبيه على أنه لا أثر لشيء منهما في الوجود . وفي النهاية : الخلق : الناس . والخليقة : البهائم ، وقيل : هما بمعنى واحد ، يعني المعنى الأعظم .

قال الطيبي : والمعنى الأول أنسب في هذا المقام ; لأنه رد لزعم من يرى أثرهما في هذا العالم بالكون والفساد ، أي : ليس كما يزعمون ، بل هما مسخران كالبهائم دائبان مقهوران تحت قدرة الله تعالى ، وفي هذا تحقير لشأنهما مناسب لهذا المقام كتحقير الملائكة في قوله تعالى : وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا . ( ويحدث الله في خلقه ما شاء ) : وفي نسخة : ما يشاء أي : من الكسوف والكشوف ، والنور والظلمة . قال الطيبي : ما شاء مفعول المصدر المضاف إلى الفاعل ، ومن ابتدائية على ما تقدم بيانه اهـ . يعني في قوله : من خلقه . ( فأيهما انخسف فصلوا ) وفي رواية : إن الله إذا بدأ أي : تجلى للشيء من خلقه خشع له ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة . ( حتى ينجلي ، أو يحدث الله أمرا ) : تفوت به الصلاة كظهور الشمس بالانجلاء ، وبغروبها كاسفة ، والمقر بالانجلاء وطلوع الشمس ، وظهور الصبح ، وبغروبه خاسفا ، أو بقيام الساعة ، أو بوقوع فتنة مانعة من الصلاة . قال الطيبي : غاية لمقدر أي : صلوا من ابتداء الانخساف منتهين إما إلى الانجلاء أو إحداث الله تعالى أمرا ، وهذا المقدر يربط الشرط بالجزاء لما فيه من العائد إلى الشرط .




الخدمات العلمية