الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 109 ] ونجز إن علق بماض ممتنع عقلا أو عادة أو شرعا ، أو جائز كلو جئت قضيتك

التالي السابق


( ونجز ) بضم النون وكسر الجيم مثقلة أي حكم الشرع بتنجيز الطلاق حال النطق بصيغته بلا توقف على حكم حاكم به إلا في مسألة أو بمحرم كإن لم يزن ، ومسألة إن لم تمطر السماء ، ومسألة ما علق على محتمل واجب كإن صليت ( إن علق ) بضم العين المهملة وكسر اللام مثقلة أي الطلاق ( ب ) شيء ( ماض ) أي مقدر حصوله في الزمن الماضي ( ممتنع ) أي مستحيل ( عقلا ) على وجه الحنث ، وهو في الحقيقة تعليق على انتفاء وجود ذلك الممتنع ، وانتفاؤه محقق واجب فهو في الحقيقة تعليق على واجب ، فلذا نجز ، قاله ابن عاشر كزوجته طالق لو جاء فلان أمس لجمع عدمه مع وجوده .

( أو ) ممتنع ( عادة ) كلو جاءه أمس لخسف الأرض به أو رفعه إلى السماء ( أو ) ممتنع ( شرعا ) كلو جاءه أمس لقتله أو قطع يده ( أو جائز ) شرعا ( ك ) قوله ( لو جئت ) ني أمس ل ( قضيتك ) حقك والحال أنه لا يجب قضاؤه لعدم حلول أجله ، وهذا ضعيف والمذهب عدم الحنث فيه وهو ظاهر المدونة ، ونقله الصقلي عن مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما واحترز بقوله ممتنع عما علق بماض واجب عقلا كلو جاءه أمس ما جمع عدمه ووجوده ، أو عادة كلو جاءه أمس ما خسف الأرض به ولا رفعه إلى السماء ، أو شرعا كلو جاءه أمس لقضاء حقه الحال أجله فلا ينجز عليه ولا يحنث فيه ولا يلزمه شيء .

ابن عرفة وإيقاعه معلقا أقسام لو حلف به على فعل مرتب على فرض ماض لم يقع ، ففي حنثه ، ثالثها إن كان فعله ممنوعا لابن رشد عن أصبغ مع نقله عن أشهب في [ ص: 110 ] اختصار المبسوطة وسماع ابن القاسم ورواية ابن الماجشون مع دليل قولها لو كنت حاضر الشرك مع أخي لفقأت عينك حنث لأنه حلف على ما لا يبر فيه ولا في مثله ، فسماع ابن القاسم فيمن قال لمن نازعه وجبذ ثوبه ليشقه امرأته طالق ألبتة إن لم يكن لو أنك شققته لشققت جوفك ، ثم كرره شققت كبدك إلا أن لا أقدر عليك لا شيء عليه إلا أن يشق الثوب . سحنون هذه جبذة يرد إليها ما يشبهها .

واختلف في مثل هذا قوله وهو خلاف قوله في المدونة ، إذ لا فرق بين المسألتين وإليه نحا قول سحنون ودل عليه قول ابن القاسم في التفسير الثالث أنه حانث في المسألتين معا . وقول ابن لبابة المسألتان مفترقتان ليس بصحيح إذ لا فرق بين حلفه على فقء عينه أو شق كبده أو شق ثوبه . وذكر القرافي عن الصقلي قول أصبغ وقول مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهم إن أمكن الفعل شرعا لم يحنث وإلا حنث .

وفي الجواهر إن شرطه بممكن عادة أو شرعا حنث عند ابن القاسم ومالك رضي الله تعالى عنهما لا عند عبد الملك ، وبممتنع عادة وشرعا وأراد حقيقة الفعل حنث ، وإن أراد المبالغة لم يحنث فنقل عن ابن القاسم خلاف نقل الصقلي ، وخلاف ظاهر الكتاب ، فيحتمل أن يكون سهوا أو ظفر بنقل غريب وترك الجادة ، وعلى التقديرين فهو رديء ، وما قاله من إلزام الحنث مع الإمكان المناسب عكسه .

قلت وقول أصبغ لو حلف لغريمه لو جئتني أمس لقضيتك حقك فهو حانث لأنه غيب لا يدري أكان فاعلا أم لا ، نص في خلاف قول ابن عبد السلام عن بعض المتأخرين لو حلف على واجب عليه لم يحنث اتفاقا ولم أعرفه إلا من نقله ، وقد أطال ابن عرفة الكلام هنا فلينظر .




الخدمات العلمية