الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) بعد الفرض ( يأمرها القاضي بالاستدانة ) لتحيل ( عليه ) وإن أبى الزوج . [ ص: 592 ] أما بدون الأمر فيرجع عليها وهي عليه إن صرحت بأنها عليه أو نوت ، ولو أنكر نيتها فالقول له مجتبى ، وتجب الإدانة على من تجب عليه نفقتها ونفقة الصغار لولا الزوج كأخ وعم ، ويحبس الأخ ونحوه إذا امتنع ; لأن هذا من المعروف زيلعي واختيار ، وسيتضح ( قضى بنفقة الإعسار ثم أيسر فخاصمته تمم ) القاضي نفقة يساره في المستقبل - [ ص: 593 ] ( وبالعكس وجب الوسط ) كما مر .

التالي السابق


مطلب في الأمر بالاستدانة على الزوج ( قوله وبعد الفرض ) أشار إلى أن في عبارة المصنف كلاما مطويا بعد قوله ولا يفرق بينهما بعجزه عنها إلخ تقديره بل يفرض لها النفقة عليه ويأمرها بالاستدانة ، لكن الفرض يظهر فيما لو كان المعسر عن النفقة حاضرا ; لأن الغائب إذا لم يكن له مال حاضر لا يفرض لها نفقة عليه كما في الحاكم ، وسيذكره المصنف بعد ، نعم سيذكر أن المفتى به قول زفر فافهم ( قوله بالاستدانة ) ذكر الخصاف وتبعه الشارحون أنها الشراء بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الزوج . وفي المجتبى أنها الاستقراض بحر . ونقل القهستاني عن صدر الشريعة . قال : وإليه يشير كلام المغرب . ا هـ وفي اليعقوبية أنه الأولى كما لا يخفى . قال في الدر المنتقى ، لكن التوكيل بالاستقراض لا يصح على الأصح فالأصح الأول . ا هـ ومثله في الحموي عن البرجندي . قلت : الثاني أيسر على المرأة ; لأنها قد لا تجد من يبيعها بالنسيئة ما تحتاجه في كل يوم ، بخلاف الاستقراض لنفقة شهر مثلا ، ويأتي قريبا الجواب عن الإيراد .

[ تنبيه ] في قضاء الحاوي الزاهدي : فإن لم تجد من تستدين منه عليه اكتسبت وأنفقت وجعلته دينا عليه بأمر القاضي ، وإن لم تقدر على الاكتساب لها السؤال ليومها وتجعل مسئولها دينا عليه أيضا بأمره به ( قوله لتحيل عليه إلخ ) اعلم أنهم قالوا : إن للمرأة حق الرجوع على الزوج بالنفقة بعد فرض القاضي سواء أكلت من مالها أو استدانتها بأمر القاضي أو بدونه ، ولكن فائدة الأمر بالاستدانة عدم سقوطها بموت أحدهما كما سيذكره المصنف بقوله : وبموت أحدهما وطلاقها يسقط المفروض إلا إذا استدانت بأمر قاض ، وأشار الشارح إلى فائدة أخرى وهي ما في تجريد القدوري والهداية : من أن فائدة الأمر بها أن تحيل الغريم على الزوج وإن لم يرض الزوج [ ص: 592 ] وبدون الأمر ليس لها ذلك . وذكر في الفتح عن التحفة أن فائدته رجوع الغريم على الزوج أو على المرأة قال في البحر وظاهره أن للغريم الرجوع عليه بلا حوالة منها ، وعلى ما في التجريد لا رجوع له بلا حوالة . ا هـ

قلت : الظاهر عدم المخالفة ، وأن المراد بالإحالة دلالتها الغريم على زوجها ليطالبه ، بأن تقول له : إن زوجي فلان فطالبه بالدين ، إذ لا يمكن إرادة حقيقة الحوالة هنا بدليل تصريحهم بأن للغريم مطالبة المرأة بها أيضا ، وأنه لا يشترط رضا الزوج بالحوالة ، هذا وقد صرحوا أيضا بأن الاستدانة بأمر القاضي إيجاب الدين على الزوج ; لأن للقاضي ولاية كاملة عليه فلذا كان للغريم أن يرجع عليه وبدون الأمر بها لا يرجع عليه بل عليها وهي ترجع على الزوج ، فقد ظهر من هذا أن الاستدانة بالأمر تقع لها ، ويجب بها الدين على الزوج بسبب ولاية القاضي عليه لا بطريق الوكالة عن الزوج ، وبه اندفع ما مر من أن التوكل بالاستقراض لا يصح فافهم .

( قوله إن صرحت إلخ ) لا يصح جعله قيدا لقوله وهي عليه ; لأن رجوع المرأة على الزوج ثابت لها قبل الأمر بالاستدانة كما علمته ، بل هو قيد لقوله لتحيل عليه . وعبارة المجتبى : فإذا استدانت هل تصرح بأني أستدين على زوجي أو تنوي ؟ أما إذا صرحت فظاهر ، وكذا إذا نوت ، وإذا لم تصرح ولم تنو لا يكون استدانة عليه ; ولو ادعت أنها نوت الاستدانة عليه وأنكر الزوج فالقول له . ا هـ . قلت : وفائدة إنكاره عدم رجوع الغريم عليه بل يرجع عليها وهي ترجع عليه وأنها تسقط بموت أحدهما أو طلاقها كما علم مما مر . والظاهر أنه لا يمين على الزوج إذ كيف يحلف على عدم نيتها ولذا لم يقيد باليمين ، خلافا لما نقله الرحمتي من التقييد به فإني لم أره في المجتبى ولا في البحر .

( قوله وتجب الإدانة إلخ ) قال في الاختيار : المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر فنفقتها على زوجها ، ويؤمر الابن أو الأخ بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر ، ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع ; لأن هذا من المعروف . قال الزيلعي : فتبين بهذا أن الإدانة لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب على من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج ، وعلى هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على إنفاقهم تجب نفقتهم على من تجب عليه لولا الأب كالأم والأخ والعم ثم يرجع به على الأب إذا أيسر ، بخلاف نفقة أولاده الكبار حيث لا يرجع عليه بعد اليسار ; لأنها لا تجب مع الإعسار فكان كالميت .

ا هـ وأقره عليه في فتح القدير بحر . قلت : ومقتضاه أنه لا فرق بين الأم وغيرها في ثبوت الرجوع على الأب مع أنه سيذكر قبيل الفروع أنه لا رجوع في الصحيح إلا للأم ، وفيه كلام سنذكره هناك ( قوله كأخ وعم ) يصح رجوعه لكل من الزوجة والصغار . ا هـ ح أي كأن يكون لها أخ أو عم ولأولادها أخ من غيرها أو عم فتستدين لنفسها من أخيها أو عمها ولأولادها من أخيهم أو عمهم ، وظاهره أنه لا يقدم الأخ على العم هنا تأمل ( قوله وسيتضح ) أي في الفروع ( قوله ثم أيسر ) أي الزوج كما فسره في المنح . والأولى أن يقول ثم أيسر أحدهما ح . قلت : ومثله ما لو أيسرا ( قوله فخاصمته ) إذ لا تقدير بدون طلبها ( قوله تمم ) أي القاضي نفقة يساره : أي يسار الزوج الذي امرأته فقيرة وهي الوسط . ولو قال وجب الوسط كما قال فيما بعده لكان أوضح ح ( قوله في المستقبل ) أما الماضي قبل المخاصمة فقد رضيت به ولو بعد عروض [ ص: 593 ] اليسار ( قوله وبالعكس ) بأن قضى بنفقة اليسار لكونهما موسرين ثم أعسر الزوج على ما قال أو ثم أعسر أحدهما على ما هو الأولى ; ولو قال قضى بنفقة الإعسار ثم أيسر أحدهما أو بالعكس وجب الوسط لكان أوضح وأخصر . ا هـ . ح ( قوله كما مر ) في قوله بقدر حالهما ح .




الخدمات العلمية