الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا أجر دارا أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها ، ففي كيفية إخراج زكاتها قولان . أحدهما : يلزمه عند تمام السنة الأولى زكاة جميع المائة ؛ لأن ملكه تام ، وهذا هو الراجح عند صاحبي المهذب و " الشامل " ، والثاني : وهو الراجح عند الجمهور : لا يلزمه عند تمام كل سنة إلا زكاة القدر الذي استقر ملكه عليه ، فإذا قلنا بالثاني ، أخرج عند تمام السنة الأولى زكاة ربع المائة ، وهو خمسة أثمان دينار ، فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه على خمسين دينارا سنتين ، فعليه زكاتها للسنتين ، وهي ديناران ونصف ، لكنه أخرج في السنة الأولى خمسة [ ص: 203 ] أثمان دينار ، فيسقط ويجب الباقي ، وهو دينار وسبعة أثمان ، فإذا مضت السنة الثالثة ، استقر ملكه على خمسة وسبعين دينارا ثلاث سنين ، وزكاتها فيها خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار ، أخرج منها في السنتين دينارين ونصفا ، فيخرج الباقي ، فإذا مضت الرابعة ، استقر ملكه على المائة أربع سنين ، وزكاتها فيها عشرة دنانير ، أخرج منها خمسة وخمسة أثمان ، فيخرج الباقي ، هذا إذا أخرج من غير المائة ، فإن أخرج منها واجب السنة الأولى ، فعند تمام الثانية يخرج زكاة الخمسة والعشرين الأولى سوى ما أخرج في السنة الأولى ، وزكاة خمسة وعشرين أخرى لسنتين ، وعند الثالثة والرابعة يقاس بما ذكرناه ، وأما إذا قلنا بالقول الأول ، فإنه يخرج عند تمام السنة الأولى زكاة المائة ، وكذلك كل سنة إن أخرج من غيرها ، فإن أخرج من عينها ، زكى كل سنة ما بقي . واختلف العراقيون في هذين القولين ، فقال القاضي أبو الطيب وطائفة : هما في نفس الوجوب ، وقال أبو حامد وشيعته : الوجوب ثابت قطعا ، وإنما القولان في كيفية الإخراج ، وهذا مقتضى كلام الأكثرين .

                                                                                                                                                                        وصورة المسألة : إذا كانت أجرة السنتين متساوية ، فإن تفاوتت ، زاد القدر المستقر في بعض السنتين على ربع المائة ، ونقص في بعضها ، فإن قيل : هل صورة المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقدها ، أو فيما إذا كانت الإجارة بمائة معينة ، أم لا فرق ؟

                                                                                                                                                                        الجواب ، أن كلام نقلة المذهب يشمل الحالتين ، ولم أر فيها نصا وتفصيلا إلا في فتاوى القاضي حسين ، فإنه قال في الحالة الأولى : الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة ، إذا حال الحول ؛ لأن ملكه مستقر على ما أخذ ، حتى لو انهدمت الدار ، لا يلزمه رد المقبوض ، بل له رد مثله ، وفي الحالة الثانية ، قال : حكم الزكاة حكم المبيع قبل القبض ؛ لأنه معرض لأن يعود إلى المستأجر بانفساخ الإجارة ، وبالجملة الصورة الثانية أحق بالخلاف من الأولى ، وما ذكره القاضي اختيار للوجوب في الحالتين جميعا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 204 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا باع شيئا بنصاب من النقد وقبضه ، ولم يقبض المشتري المبيع حتى حال الحول ، فهل يجب على البائع إخراج الزكاة ؟ فيه القولان في الأجرة ؛ لأن الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر ، وخرجوا على القولين أيضا إذا ما أسلم نصابا في ثمرة أو غيرها ، وحال الحول قبل قبض المسلم فيه ، وقلنا : إن تعذر المسلم فيه يوجب انفساخ العقد ، وإن قلنا : يوجب الخيار ، فعليه إخراج الزكاة قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أوصى لإنسان بنصاب ومات الموصي ، ومضى حول من وقت موته قبل القبول ، إن قلنا : الملك في الوصية يحصل بالموت ، فعلى الموصى له الزكاة ، ولا يضر كونه يرتد برده ، وإن قلنا : يحصل بالقبول ، فلا زكاة عليه . ثم إن أبقيناه على ملك الموصي ، فلا زكاة على أحد ، وإن قلنا : إنه للوارث فهل تلزمه الزكاة ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، وإن قلنا : موقوف ، فقبل ، بان أنه ملكه بالموت ، ولا زكاة عليه على الأصح ؛ لعدم استقرار ملكه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية