الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1465 [ ص: 236 ] 27 - باب القضاء في قسم الأموال

                                                                                                                        1432 - مالك ، عن ثور بن زيد الديلي ; أنه قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية ، وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        32566 - قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة ، لم يختلفوا في أنه بلاغ عن ثور بن زيد .

                                                                                                                        32567 - ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك ، عن ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                                                                                        32568 - وإبراهيم بن طهمان ثقة .

                                                                                                                        [ ص: 237 ] 32569 - والحديث معروف لابن عباس ، قد ذكرناه من طرق في التمهيد :

                                                                                                                        32570 - منها ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني إبراهيم بن عبد الرحيم ، قال : حدثني موسى بن داود ، قال : [ ص: 238 ] حدثني محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل قسم قسم في الجاهلية ، فهو على ما قسم ، وكل قسم أدركه الإسلام ولم يقسم ، فهو على قسمة الإسلام .

                                                                                                                        32571 - واختلفت الرواية عن مالك من معنى هذا الحديث في الفرق بين من لا كتاب له من الكفار ، وبين أهل الكتاب :

                                                                                                                        32572 - فروى سحنون ، وأبو ثابت عن ابن القاسم ، قال : سألت مالكا عن الحديث الذي جاء : أيما دار قسمت في الجاهلية ، فهي على قسمة الجاهلية ، وأيما دار أدركها الإسلام ، ولم تقسم ، فهي على قسم الإسلام .

                                                                                                                        32572 م - فقال مالك : الحديث لغير أهل الكتاب ; فأما اليهود والنصارى ، فهم على مواريثهم ، لا ينقل الإسلام مواريثهم التي كانوا عليها .

                                                                                                                        32573 - قال إسماعيل بن إسحاق : قول مالك هذا على أن النصارى واليهود لهم مواريث قد تراضوا عليها ، وإن كانت ظلما ، فإذا أسلموا على ميراث قد مضى ، فهم كما لو اصطلحوا عليه ، ثم يكون ما يحدث من مواريثهم بعد الإسلام .

                                                                                                                        32574 - قال أبو عمر : روى ابن نافع ، وأشهب ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ، ومطرف ، عن مالك أن ذلك في الكفار كلهم : المجوس ومشركي العرب ، وأهل الكتاب ، وجميع أهل الملل ; ذكره ابن حبيب عنهم .

                                                                                                                        32575 - وكذلك روى أصبغ ، عن ابن القاسم أنه أجابه في معنى هذا [ ص: 239 ] الحديث بذلك على ما ذكرناه عنه في التمهيد .

                                                                                                                        32576 - وهذا أولى ; لما فيه من استعمال الحديث على عمومه ، وظاهره ولأن الكفر لا تفترق أحكامه فيمن أسلم منهم أنه يقر على نكاحه ، ويلحقه ولده .

                                                                                                                        32577 - وعند مالك ، وأصحابه أن أهل الكفر كلهم في الجزية سواء كما هم عند الجميع في مقاتلتهم ، وسبي ذراريهم في الدنيا ، وفي الخلود في النار ، فلا وجه لفرق بين شيء من أحكامهم إلا ما خصته السنة ، فيسلم لها كما خصت الكتابيين في أكل ذبائحهم ، ونكاح نسائهم ، ومحال أن يكون جماعة مؤمنون يقتسمون ميراثهم على شريعة الكفر .

                                                                                                                        32578 - وهو قول ابن شهاب وجمهور أهل العلم بالحجاز ، والعراق ، وهو قول الليث ، والشافعي ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، وأصحابه .

                                                                                                                        32579 - فإن أسلم بعض ورثة الميت بعد موته ، وبعد قسم الميراث ، أو أعتق ، فلا شيء به من الميراث ; لأنه وجب يوم مات الموروث .

                                                                                                                        32580 - هذا قول جماعة فقهاء الأمصار ، وجمهور التابعين ، إلا قوما من أهل البصرة .

                                                                                                                        32581 - ورواية جاءت عن عمر ، وعثمان من روايتهم ، إسنادها ليس بالقائم ، رواها حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن يزيد بن قتادة أن إنسانا من أهله مات ، وهو على غير دين الإسلام ، قال : [ ص: 240 ] فورثته ابنته دوني ، وكانت على دينه ، ثم إن جدي أسلم ، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فتوفي وترك نخلا ، فأسلمت ، وخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان ، فحدث عبد الله بن الأرقم ، أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، فإنه نصيبه ، فقضى له عثمان ، فذهبت بالأولى ، وشاركتني في الآخرة .

                                                                                                                        32582 - وروى سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حسان بن بلال ، عن يزيد بن قتادة العنزي ، عن عبد الله بن الأرقم - كاتب عمر - أن عمر بن الخطاب قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقسم صار الميراث له بإسلامه واجبا .

                                                                                                                        32583 - وروى سعيد بن زريع ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن يزيد بن قتادة ، قال : توفيت أمنا مسلمة ، ولي إخوة نصارى ، فأسلموا قبل أن يقسم الميراث ، فدخلوا على عثمان ، فسأل : كيف قضى في ذلك عمر ؟ فأخبر ، فأشرك بيننا .

                                                                                                                        32584 - وبهذا قال الحسن البصري ، وأبو الشعثاء - جابر بن زيد - ، وقتادة ، وحميد الطويل ، وإياس بن معاوية .

                                                                                                                        32585 - وروى وهيب ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، فهو أحق به .

                                                                                                                        [ ص: 241 ] 32586 - وقال الحسن : فإن قسم بعض الميراث ، ثم أسلم ، ورث ما لم يقسم ، ولم يرث بما قسم .

                                                                                                                        32587 - وحجة من قال بهذا أو ذهب إليه حديث هذا الباب المسند ، والمرسل على ما ذكرناه في أوله .

                                                                                                                        32588 - وقد روى عبد الوارث ، عن كثير بن شنظير ، عن عطاء أن رجلا أسلم على ميراث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقسم ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصيبه منه .

                                                                                                                        32589 - قال أبو عمر : حكم من أعتق قبل القسم عند هؤلاء كحكم من أسلم ، إلا أنه اختلف فيه عن الحسن :

                                                                                                                        فمرة هو قال بمنزلة من أسلم .

                                                                                                                        ومرة قال : من أسلم ورث ، ومن أعتق لم يرث; لأن الحديث إنما جاء ممن أدرك الإسلام .

                                                                                                                        32590 - وبه قال إياس بن معاوية .

                                                                                                                        32591 - وروى حماد بن سلمة ، عن حميد ، قال : كان إياس بن معاوية يقول : أما النصراني يسلم ، فنعم ، وأما العبد يعتق ، فلا .

                                                                                                                        32592 - وبه قال حميد .

                                                                                                                        32593 - وروى أبو زرعة الرازي ، قال : حدثني موسى بن إسماعيل ، قال : حدثني حماد ، عن حميد ، عن الحسن ، قال : العبد إذا أعتق على ميراث قبل أن [ ص: 242 ] يقسم ، فهو أحق به .

                                                                                                                        32594 - وهو قول مكحول ، وبه قال أبو زرعة فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم أنه له ، وخالفه أبو حاتم الرازي ، فقال : ليس له من الميراث شيء .

                                                                                                                        32595 - قال أبو عمر : قد ذكرنا أن جمهور العلماء على أن الوارث لا يستحق الميراث إلا في حين موت المورث ، وأنه - حينئذ - يجب لمن أوجبه الله تعالى بالدين والنسب ، والحرية ، والحياة ، وإن كان حملا في البطن .

                                                                                                                        32596 - وهو قول جماعة فقهاء الأمصار .

                                                                                                                        32596 م - روى يزيد بن زريع ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب ، قال : إذا مات الميت يرد الميراث لأهله .

                                                                                                                        32597 - ويزيد بن زريع ، عن سعيد عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : إن أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، أو أعتق على ميراث قبل أن يقسم ، فليس لواحد منهما شيء ، وجبت الحقوق لأهلها حيث مات .

                                                                                                                        32598 - وقال شعبة : سألت الحكم ، وحمادا عن رجل أسلم على ميراث ، فقالا : ليس له شيء .

                                                                                                                        [ ص: 243 ] 32599 - وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، وابن أبي ليلى : إن مات مسلم ، وله ولد نصارى ، ثم أسلموا ولم يقسم ميراثه حتى أسلموا ، فلا حق لهم وقعت المواريث قبل أن يسلموا .

                                                                                                                        32600 - قال : وأخبرنا معمر ، عن الزهري سمعه يقول : إذا وقعت المواريث ، فمن أسلم على ميراث نفذ ، فلا شيء له .

                                                                                                                        32601 - وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وعليه العمل ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية