الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1433 - قال مالك فيمن هلك وترك أموالا بالعالية والسافلة : إن البعل لا يقسم مع النضح ، إلا أن يرضى أهله بذلك ، وإن البعل يقسم مع العين ، إذا كان يشبهها ، وإن الأموال إذا كانت بأرض واحدة ، الذي بينهما متقارب ، أنه يقام كل مال منها ثم يقسم بينهم ، والمساكن والدور بهذه المنزلة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        32602 - قال أبو عمر : اختلف فقهاء الأمصار في قسمة الأرضين ، والدور على ما أصف لك :

                                                                                                                        [ ص: 244 ] 32603 - فمذهب مالك ما ذكره ابن القاسم وغيره عنه أنه قال : إذا كانت الدور متقاربة ، والغرض فيها متقاربا قسمت قسما واحدا ، وإن افترقت البقاع ، واختلفت الأغراض قسمت كل دار على حدة ، وكذلك الأرضون والقرى .

                                                                                                                        32604 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : تقسم كل دار ، وكل ضيعة على حدة ، ولا يقسم بعضها على بعض .

                                                                                                                        32605 - وحجتهم أن كل بقعة ودار تعتبر بها على نفسها ، لا تتعلق الشفعة دون غيرها .

                                                                                                                        32606 - واختلفوا فيما لا ينقسم من الدور إلا على ضرر بأحد الشريكين ، أو بهما معا :

                                                                                                                        32607 - فقال مالك : ما لا ينتفع بما يقسم منه أجبرا جميعا على البيع إذا أحبا القسمة ، واقتسما الثمن ، وكذلك الثياب ، والحيوان .

                                                                                                                        32608 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن اتفقا على قسمة ما لا ينتفعان به من كل شيء يملكانه قسم بينهما ، فإن أبيا من قسمة ما فيه عليهما جميعا ضرر في القسمة لم يجبر على البيع ، ولا على القسمة إن شاءا حبسا وإن شاءا باعا ، وإن شاءا قسما ، ولا يجبران على البيع ، ولا على القسمة ، ولا في الحيوان ، ولا في الثياب ، ولا في شيء ; لأن الله - عز وجل - يقول : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ النساء : 29 ] .

                                                                                                                        32609 - واختلفوا إن انتفع أحد منهم بنصيبه من الدار والحانوت وسائر [ ص: 245 ] العقار ، ولم ينتفع الآخر ، وطلبوا جميعا القسمة :

                                                                                                                        32610 - فاتفق مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي أنه يقسم بينهم .

                                                                                                                        32611 - وقال ابن القاسم : لا يقسم حتى يكون لكل واحد منهما ما ينتفع به .

                                                                                                                        32612 - وقال مالك ، وأبو حنيفة : إذا طلب من ينتفع بنصيبه القسمة قسم ، وإن لم ينتفع الآخر ، وتقسم العرصة عند مالك ، وإن لم ينتفع بنصيبه واحد منهما إذا طلب واحد منهما القسمة خلاف المنزل .

                                                                                                                        32613 - قال : ولا يقسم الطريق إلا بالإجماع من الشركاء على ذلك .

                                                                                                                        32614 - وقال مالك في الحمام بين الشركاء : إنه يقسم .

                                                                                                                        32615 - قال ابن القاسم : وأرى الحائط يقسم .

                                                                                                                        32616 - قال : وقال مالك : لا يقسم الحائط والطريق إلا أن يتراضى الورثة على قسمته .

                                                                                                                        32617 - أما الحمام ، فهو عرصة كالبيت الصغير .

                                                                                                                        32618 - وقال الليث : ما كان ينقسم ، فإنه يقسم ، ولا يباع ، وما كان من دار لا تنقسم .

                                                                                                                        32619 - والحمام والحانوت ، فإنه يباع ويقسم الثمن ، إلا أن يشتريه بعض الشركاء بأغلى ما يوجد من الثمن ، فيكون أولى .

                                                                                                                        32620 - قال أبو عمر : روى ابن الماجشون ، عن مالك أن الحمام لا يقسم; [ ص: 246 ] لأنه يصير غير حمام .

                                                                                                                        32621 - وروى ابن القاسم ، وأشهب عنه أنه يقسم .

                                                                                                                        32622 - وهو قول أشهب .

                                                                                                                        32623 - وقال ابن القاسم : لا يقسم .

                                                                                                                        32624 - وقال الشافعي : إذا كان واحد منهم ينتفع بنصيب قسمته ، وإن لم ينتفع الباقون بما يصير إليهم ، - يعني إذا تراضوا على ذلك - فإذا لم يتراضوا بالقسمة لما عليهم فيها من الضرر ، وطلبها أحدهم ممن له في القسمة نفع بنصيبه ، أو لا نفع له ، لم يجبروا إلا أن يكونوا إذا اجتمع الذين لا يريدون القسمة فينتفعوا بنصيبهم ، فيجمعهم ، فيبرز للطالب نصيبه .

                                                                                                                        32625 - قال أبو عمر : احتج من رأى قسمة العقار كله ، وإن غيرته القسمة عن اسمه ، وحاله إذا دعا أحد الشركاء إلى ذلك بظاهر قول الله عز وجل : مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا [ النساء : 7 ] .

                                                                                                                        32626 - واحتج من خالفه في ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، وهو لفظ محتمل للتأويل ، لا حجة فيه .

                                                                                                                        32627 - وأحسن منه وأوضح ما رواه ابن جريج ، عن صديق بن موسى بن عبد الله بن الزبير ، عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعضية على أهل المواريث ، إلا ما حمل القسم ، والتعضية .

                                                                                                                        [ ص: 247 ] 32628 - التفرقة في اللغة ، يقول لا قسمة بينهم ، إلا فيما احتمل القسم ، والله أعلم .

                                                                                                                        32629 - وأما اختلاف أصحاب مالك في قسمة الأرض : البعل منها ، والسقي :

                                                                                                                        32630 - فذكر ابن عبدوس عن سحنون في قول مالك في موطئه : لا يقسم النضح مع البعل إلا أن يرضى أهله بذلك .

                                                                                                                        32631 - قال سحنون : فحمل هذه اللفظة على أن الشركاء تراضوا بذلك ، وأما بالسهم ، فلا ينبغي .

                                                                                                                        32632 - قال ابن عبدوس : وأصحاب مالك على ذلك ، إلا أشهب ، فإنه يقول : يجمع لمن أراد الجمع ، ويفرق لمن أراد التفرقة .

                                                                                                                        32633 - وهو خلاف لقول مالك حيث يقول : لا يجمع بين رجلين في القسم .

                                                                                                                        32634 - قال ابن عبدوس : ومعنى قول أشهب أنه يجعل سهم الذين أرادوا الجمع بينهما واحدا ، وسهم الذين أرادوا التفرقة بينهما خلاف .

                                                                                                                        32635 - وهو خلاف جميع أصحاب مالك .

                                                                                                                        32636 - وذكر سحنون ، عن ابن القاسم ، قال : إذا كانت المواضع مختلفة ، وكانت قريبة ، قسمت كل أرض على حدتها ، وإن كانت المواضع قريبا بعضها من [ ص: 248 ] بعض ، وكانت في الكرم سواء جمع في القسم .

                                                                                                                        32637 - قال سحنون : لا نعرف هذا ، والذي نعرفه من قول مالك أن الأرض إذا تقاربت مواضعها ، وكانت في نمط واحد قسمت قسما واحدا ، وإن اختلفت في القيمة .

                                                                                                                        32638 - وقال أشهب : إذا تقاربت المواضع قسمت قسما واحدا ، وإن اختلفت في الكرم .

                                                                                                                        32639 - قال أبو عمر : اختلافهم في قسمة الأموال على اختلاف أصنافها كثير جدا .

                                                                                                                        32640 - وقد ذكرنا ذلك في كتاب القسمة من ديوان اختلافهم ، والحمد لله كثيرا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية