الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6673 [ ص: 194 ] 34 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام " إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  وابن جابر - بالجيم وكسر الباء الموحدة - هو عبد الرحمن بن زيد بن جابر ، كما صرح به مسلم في روايته عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه. وبسر - بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة - ابن عبد الله الحضرمي ، بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة. وأبو إدريس عائذ الله - بالذال المعجمة - الخولاني ، بفتح الخاء المعجمة.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في علامات النبوة، عن يحيى بن موسى . وأخرجه مسلم في الفتن، عن محمد بن المثنى به. وأخرجه ابن ماجه فيه، عن علي بن محمد ببعضه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " مخافة " أي: لأجل مخافة أن يدركني أي الشر، وكلمة أن مصدرية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " في جاهلية وشر " يشير به إلى ما كان قبل الإسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب بعضهم بعضا وارتكاب الفواحش .

                                                                                                                                                                                  قوله: " بهذا الخير " يعني الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش.

                                                                                                                                                                                  قوله: " دخن " بفتح الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة، وهو الدخان، وأراد به ليس خيرا خالصا، بل فيه كدورة بمنزلة الدخان من النار. وقيل: أراد بالدخن الحقد. وقيل: الدغل. وقيل: فساد في القلب. وقيل: الدخن كل أمر مكروه، وقال النووي : المراد من الدخن أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض كما كانت عليه من الصفاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يهدون " بفتح أوله.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بغير هديي " بياء الإضافة عند الأكثرين، وبياء واحدة بالتنوين في رواية الكشميهني ، وفي رواية الأسود : " تكون بعدي أئمة يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي " .

                                                                                                                                                                                  قوله: " تعرف منهم " أي من القوم المذكورين " وتنكر " يعني من أعمالهم، وقال القاضي : الخير بعد الشر: أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، والذي تعرف منهم وتنكرهم الأمراء بعده، ومنهم من يدعو إلى بدعة وضلالة كالخوارج ، وقال الكرماني : يحتمل أن يراد بالشر زمان قتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وبالخير بعده زمان خلافة علي رضي الله تعالى عنه، والدخن الخوارج ونحوهم، والشر بعده زمان الذين يلعنونه على المنابر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " دعاة " بضم الدال جمع داع " على أبواب جهنم " قال ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من جلدتنا " أي من قومنا، ومن أهل لساننا وملتنا. وفيه إشارة إلى أنهم من العرب ، وقال الداودي : أي: من بني آدم ، وقال القاضي : معناه أنهم في الظاهر على ملتنا، وفي الباطن مخالفون، وجلدة الشيء ظاهره، وهي في الأصل غشاء البدن.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وإمامهم " بكسر الهمزة أي: أميرهم، وفي رواية الأسود : " تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " .

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأن تعض " بفتح العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة من عضض يعضض من باب علم يعلم، أي ولو كان الاعتزال من تلك الفرق بالعض فلا تعدل عنه، ولفظ: " تعض " منصوب عند الرواة كلهم، وجوز بعضهم [ ص: 195 ] الرفع، ولا يجوز ذلك إلا إذا جعل أن مخففة من المثقلة، وقال البيضاوي : المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان. وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة، كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: " عضوا عليها بالنواجذ " .

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأنت على ذلك " أي على العض الذي هو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وإطاعة سلاطينهم، ولو جاروا .

                                                                                                                                                                                  وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك القيام على أئمة الحق ؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم.

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في صفة الأمر بذلك، فقال بعضهم: هو أمر إيجاب بلزوم الجماعة، وهي السواد الأعظم. واحتجوا برواية ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا: " إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة " وقال آخرون: الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة العلماء؛ لأن الله عز وجل جعلهم حجة على خلقه، وإليهم تفزع العامة في دينها، وهم تبع لها، وهم المعنيون بقوله: " إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة " وقال آخرون: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين، وقال آخرون: إنها جماعة أهل الإسلام ما داموا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين.

                                                                                                                                                                                  وقال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق التستري في كتابه: افتراق الأمة : أهل السنة والجماعة فرقة، والخوارج خمس عشرة فرقة، والشيعة ثلاث وثلاثون، والمعتزلة ستة، والمرجئة اثنا عشر، والمشبهة ثلاثة، والجهمية فرقة واحدة، والضرارية واحدة، والكلابية واحدة.

                                                                                                                                                                                  وأصول الفرق عشرة: أهل السنة ، والخوارج ، والشيعة ، والجهمية ، والضرارية ، والمرجئة ، والنجارية ، والكلابية ، والمعتزلة ، والمشبهة .

                                                                                                                                                                                  وذكر أبو القاسم الفوراني في كتابه فرق الفرق: إن غير الإسلاميين الدهرية ، والهيولي أصحاب العناصر الثنوية، والديصانية ، والمانوية ، والطبائعية ، والفلكية ، والقرامطة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية