الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثاني:

                                343 350 - حدثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة ، قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.

                                التالي السابق


                                تريد عائشة - رضي الله عنها -: أن الله تعالى لما فرض على رسوله الصلوات الخمس ليلة الإسراء، ثم نزل إلى الأرض وصلى به جبريل عليه السلام عند البيت ، لم تكن صلاته حينئذ إلا ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، ثم [ ص: 122 ] أقرت صلاة السفر على تلك الحال، وزيد في صلاة الحضر ركعتين ركعتين، ومرادها: الصلاة الرباعية خاصة.

                                ويدل عليه: ما خرجه البخاري في " الهجرة " من حديث معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الأول.

                                كذا خرجه من رواية يزيد بن زريع ، عن معمر ، وقال: تابعه عبد الرزاق ، عن معمر .

                                وخرجه البيهقي من رواية عبد الرزاق عن معمر ولفظه: " فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا، وأقرت صلاة السفر ركعتين ".

                                وقال: هذا التقييد تفرد به معمر عن الزهري ، وسائر الثقات أطلقوه - يعني: لم يذكروا الأربع. انتهى.

                                وفي تقييدها الزيادة بالأربع دليل على أنه إنما زيد في الحضر الرباعية خاصة.

                                وقد ورد ذلك صريحا عنها في رواية أخرى خرجها الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق ، قال: حدثني صالح بن كيسان ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت: كان أول ما افترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ركعتان ركعتان، إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا، ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا في الحضر، فأقر الصلاة على فرضها الأول في السفر.

                                [ ص: 123 ] وخرج الإمام أحمد - أيضا - عن عبد الوهاب بن عطاء ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن عائشة ، قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، إلا المغرب فرضت ثلاثا ; لأنها وتر. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى الصلاة الأولى إلا المغرب، وإذا أقام زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب ; فإنها وتر، والصبح ; لأنه يطول فيها القراءة.

                                وفي رواية أخرى له بهذا الإسناد: كان أول ما افترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ركعتان، إلا المغرب ; فإنها كانت ثلاثا، ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا في الحضر، فأقر الصلاة على فرضها الأول في السفر.

                                وخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " من طريق محبوب بن الحسن ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ولفظه: فرض صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين، فلما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة زيد في صلاة الحضر، وتركت صلاة الفجر ؛ لطول القراءة، وصلاة المغرب ; لأنها وتر النهار.

                                وخرجه البيهقي من وجه آخر عن داود كذلك.

                                وهذه الرواية إسنادها متصل، وهي تدل على أن إتمام الظهر والعصر والعشاء أربعا تأخر إلى ما بعد الهجرة إلى المدينة .

                                وكذلك روى أبو داود الطيالسي : ثنا حبيب بن يزيد الأنماطي : ثنا عمرو بن هرم ، عن جابر بن زيد ، قال: قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي [ ص: 124 ] بمكة ركعتين - تعني: الفرائض - فلما قدم إلى المدينة وفرضت عليه الصلاة أربعا وثلاثا صلى وترك الركعتين اللتين كان يصليهما بمكة تماما للمسافر .

                                وخرج الطبراني هذا المعنى - أيضا - بإسناد ضعيف عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.

                                وخرج الإسماعيلي في " مسند عمر " من رواية إسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم وأرطاة بن المنذر ، عن حكيم بن عمير ، أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد: أما بعد، فإنما كانت الصلاة أول الإسلام ركعتين، فقال الناس: إنا قد أمرنا أن نسبح أدبار السجود ونصلي بعد كل صلاة ركعتين، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تطوعهم صلاها أربعا، وأمره الله بذلك، فكان يسلم بين كل ركعتين، فخشينا أن ينصرف الصبي والجاهل يرى أنه قد أتم الصلاة، فرأيت أن يخفي الإمام التسليمة الأولى ويعلن بالثانية، فافعلوا ذلك .

                                هذا إسناد ضعيف منقطع، ومتن منكر.

                                وقد عارض هذا كله: ما روي أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت أول ما فرضت الصلاة، وصلى به أربعا.

                                فخرج الدارقطني من طريق جرير بن حازم ، عن قتادة ، عن أنس ، أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين زالت الشمس، فأمره أن يؤذن للناس [ ص: 125 ] بالصلاة حين فرضت عليهم، فقام جبريل أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بقراءة، يأتم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل عليه السلام، ثم أمهل حتى إذا دخل وقت العصر صلى بهم أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة، يأتم المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل ، ثم أمهل حتى إذا وجبت الشمس صلى بهم ثلاث ركعات، يجهر في ركعتين بالقراءة ولا يجهر في الثالثة، ثم أمهله حتى إذا ذهب ثلث الليل صلى بهم أربع ركعات، يجهر في الأوليين ولا يجهر في الأخريين بالقراءة، ثم أمهل حتى إذا طلع الفجر صلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة .

                                ثم خرجه من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - بنحوه مرسلا.

                                وهذا المرسل أصح، وروايات جرير بن حازم عن قتادة خاصة فيها منكرات كثيرة، لا يتابع عليها، ذكر ذلك أئمة الحفاظ: منهم أحمد وابن معين وغيرهما. ومراسيل الحسن فيها ضعف عند الأكثرين، وفيه نكارة في متنه في ذكر التأذين للصلاة ; والأذان لم يكن بمكة إنما شرع بالمدينة.

                                وخرجه البيهقي من طريق شيبان ، عن قتادة ، قال: حدث الحسن - فذكره مرسلا، وذكر أنه نودي لهم: " الصلاة جامعة ".

                                وخرجه أبو داود " في مراسيله " من رواية سعيد عن قتادة عن الحسن .

                                وروى البيهقي بإسناده من حديث يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن أبي مسعود ، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قم فصل ; [ ص: 126 ] وذلك دلوك الشمس، فقام فصلى الظهر أربعا - وذكر عدد الصلوات كلها تامة في اليومين.

                                ثم قال: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري ، إنما هو بلاغ بلغه.

                                وقد نقل إسحاق بن منصور ، عن إسحاق بن راهويه ، قال: كل صلاة صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت ركعتين ركعتين، إلا المغرب ثلاثا، ثم هاجر إلى المدينة ، ثم ضم إلى كل ركعتين ركعتين، إلا الفجر والمغرب، تركهما على حالهما. قال: وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة عند المقام مرتين.

                                وممن قال: إن الصلوات الخمس فرضت ركعتين ركعتين: الشعبي ، والحسن في رواية، وابن إسحاق .

                                وقالت طائفة: فرضت الصلاة أول ما فرضت أربعا، إلا المغرب والصبح، كذلك قال نافع بن جبير بن مطعم ، والحسن في رواية، وابن جريج ، وهو اختيار إبراهيم الحربي ، ورجحه ابن عبد البر ، وتمسكوا بما لا حجة لهم فيه، ولا يعارض حديث عائشة .

                                وفي حديث عائشة فوائد كثيرة تتعلق بقصر الصلاة في السفر، تذكر في أبواب قصر المسافر - إن شاء الله تعالى.



                                الخدمات العلمية