الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 444 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ( 34 ) )

يقول تعالى ذكره : وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل ، إسرافا وبدارا إلى أن يكبروا ، ولكن اقربوه بالفعلة التي هي أحسن ، والخلة التي هي أجمل ، وذلك أن تتصرفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة .

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) لما نزلت هذه الآية ، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره ، فأنزل الله تبارك وتعالى ( وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ) فكانت هذه لهم فيها رخصة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب ، حتى نزلت ( وإن تخالطوهم فإخوانكم ) .

وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) قال : الأكل بالمعروف ، أن تأكل معه إذا احتجت إليه ، كان أبي يقول ذلك .

وقوله ( حتى يبلغ أشده ) يقول : حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل ، وتدبير ماله ، وصلاح حاله في دينه ( وأوفوا بالعهد ) يقول : وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام ، وفيما بينكم أيضا ، والبيوع والأشربة والإجارات ، وغير ذلك من العقود ( إن العهد كان مسئولا ) يقول : إن الله جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه ، يقول : فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم ، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه ، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك . وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا ، يقال في الكلام : ليسئلن فلان عهد فلان .

التالي السابق


الخدمات العلمية