الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : إذا حلف لا يدخل دارا ، فحمل فأدخلها ، ويمكنه الامتناع فلم يمتنع ، أو حلف لا يستخدم رجلا ، فخدمه وهو ساكت ، فقال القاضي : يحنث ، ويحتمل أن لا يحنث ، وإن حلف ليشربن الماء ، أو ليضربن غلامه غدا ، فتلف المحلوف عليه قبل الغد ، حنث عند الخرقي ، ويحتمل أن لا يحنث ، وإن مات الحالف لم يحنث ، وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه ، فهل يحنث ؛ على وجهين . وإن مات المستحق ، فقضى ورثته ، لم يحنث ، وقال القاضي : يحنث ، وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد ، وحنث عند القاضي ، وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر ، وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي ، فهرب منه ، حنث ، وقال الخرقي : لا يحنث ، وإن فلسه الحاكم ، وحكم عليه بفراقه ، خرج على الروايتين . وإن حلف : لا افترقنا ، فهرب منه ، حنث ، وقدر الفراق ما عده الناس فراقا ، كفرقة البيع .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( إذا حلف لا يدخل دارا ، فحمل فأدخلها ) ولم يمكنه الامتناع ، لم يحنث ، نص عليه ، ولا نعلم فيه خلافا ، فإن حمل بغير أمره ( ويمكنه الامتناع ، فلم يمتنع ) حنث في المنصوص ، واختاره القاضي كما لو حمل بأمره ، وقال أبو الخطاب : فيه وجهان .

                                                                                                                          أحدهما : يلي لما تقدم .

                                                                                                                          والثاني : لا يحنث ، كما لو لم يمكنه الامتناع ، وعلى الأول : كيفما دخل باختياره ، حنث مطلقا ، ولو بابها ، ويستثنى منه ما لو أكره بضرب ونحوه ، فالأصح أنه لا يحنث للخبر والمعنى ( أو حلف لا يستخدم رجلا ، فخدمه وهو ساكت ، فقال القاضي : يحنث ) لأنه قصد اجتناب خدمته ، ولم يحصل ( ويحتمل أن لا يحنث ) وهو وجه ، لأنه استخدمه ، والسكوت لا يدل على الرضى ، ولهذا يملك الذي شق ثوبه مطالبة الذي شقه ، وقيل : إن كان عبده حنث ، لأن عبده يخدمه عادة ، فمعنى يمينه لأمنعنك خدمتي ، فإذا لم ينهه ، ولم يمنعه ، فإنه يحنث ، بخلاف عبد غيره ، وقال أبو الخطاب : يحنث فيهما ، واقتصر عليه ابن هبيرة ( وإن حلف ليشربن الماء ، أو ليضربن غلامه غدا ، فتلف المحلوف عليه قبل الغد ، حنث عند الخرقي ) نصره في الشرح ، وجزم به في الوجيز ، وصححه ابن المنجا ، وقدمه في الفروع ، كما لو حلف ليحجن [ ص: 321 ] العام ، فلم يقدر على الحج لمرض ، أو ذهاب نفقة ، لأن الامتناع لمعنى في المحل ، أشبه ما لو ترك ضرب العبد لصغر به ، أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق ، ويحنث عقيب تلفهما ، نص عليه ، وقدمه في المحرر والرعاية ، وجزم به في الوجيز ، وقيل : في آخر الغد ( ويحتمل أن لا يحنث ) وقاله الأكثر ، لأنه تعذر عليه ، لا من جهته ، أشبه المكره ، أما لو تلف المحلوف عليه بفعله واختياره ، فإنه يحنث وجها واحدا ، قال في الشرح : فإن تلف العبد في غد قبل التمكن من ضربه ، فكما لو مات في يومه ، وإن مات في غد قبل التمكن من ضربه ، حنث وجها واحدا ، وإن ضربه اليوم لم يبر ، نصره في الشرح ، وقدمه في الرعاية ، كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة ، فصام يوم الخميس ، وقال القاضي : يبر ، وقال ابن حمدان : إن أراد أنه لا يتجاوزه ، وإلا حنث ، وإن جن العبد فضربه بر ، وإلا فلا ( وإن مات الحالف ) أي : قبل الغد ، أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد ( لم يحنث ) لأن الحنث إنما يحصل عليه في وقته ، وهو الغد ، والحالف قد خرج أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك ، فلا يمكن حنثه بخلاف موت المحلوف عليه ، والأصح أنه إذا مات فيه ، فإنه يحنث في آخر حياته ، فإن مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه ، فلم يضربه ، حنث وجها واحدا ، وكذا إن هرب العبد أو مرض ، أو الحالف فلم يقدر على ضربه ( وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه ) منه قبل مجيئه ( فهل يحنث ؛ على وجهين ) هما مبنيان على ما إذا حلف على فعل شيء فتلف قبل فعله .

                                                                                                                          أحدهما : الحنث ، لأن الحلف على القضاء ، والإبراء ليس بقضاء ، بدليل أنه يصح أن يقال : [ ص: 322 ] ما قضاني حقي ، وإنما أبرأته منه .

                                                                                                                          والثاني ، وهو الأصح : عدمه ، لأن الغرض من القضاء حصول البراءة منه ، فلا يحنث ، وفي الترغيب : أصلهما إذا منع من الإيفاء في غد كرها لا يحنث على الأصح ، وأطلق في التبصرة فيهما الخلاف ( وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث ) قاله أبو الخطاب ، وقدمه السامري والمجد ، وجزم به في الوجيز ، لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في إبراء ذمته ، فكذلك في يمينه ( وقال القاضي : يحنث ) كما لو حلف ليضربن عبده غدا ، فمات العبد اليوم ، والأول هو المنصور ، لأن موت العبد يخالف ذلك ، لأن ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه ( وإن باعه بحقه عرضا ، لم يحنث عند ابن حامد ) قدمه السامري والمجد ، وجزم به في الوجيز ، وصححه في الفروع ، لأنه قضاه حقه ( وحنث عند القاضي ) لأنه لم يقض الحق الذي عليه بعينه ، فإن كانت يمينه : لا فارقتك ولي قبلك حق ، لم يحنث وجها واحدا ، وإن منع منه فالروايتان ، وهما في المذهب إن كره ( وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال ) أو مع رأسه ، أو إلى رأسه ، أو إلى استهلاله ، أو عند رأس الشهر ( فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر ) على المذهب ، لأن ذلك هو عليه ، لأن غروب الشمس هو آخره ، ولو تأخر فراغ كيله لكثرته ، ذكره في المغني ، وذكر السامري ، وقدمه في الرعاية ، أنه إذا قضاه قبل الغروب في آخر الشهر بر ، وإن فاته حنث ، ثم قال في الرعاية : قلت : فيخرج ضده إن عذر ، ويحنث إذا تأخر بعد الغروب مع إمكانه ، وفي الترغيب : لا تعتبر المقارنة ، فتكفي حالة الغروب ( وإن حلف لا فارقته حتى [ ص: 323 ] أستوفي حقي فهرب منه حنث ) نص عليه ، وذكره ابن الجوزي ظاهر المذهب ، لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقة ، وقد حصل ، وكإذنه ولقوله : لا افترقنا ( وقال الخرقي : لا يحنث ) هذا رواية ، قدمها في الكافي والترغيب ، ونصرها في الشرح ، وصححها ابن حمدان ، لأن اليمين على فعل نفسه ، ولم توجد المفارقة إلا من غيره ، واختار في المحرر ، وجزم به في الوجيز : أنه إن أمكنه متابعته وإمساكه حنث ، وإلا فلا ، فإن أذن له الحالف في الفرقة ففارقه ، فالمذهب أنه يحنث ( وإن فلسه الحاكم ، وحكم عليه بفراقه ، خرج على الروايتين ) في الإكراه إذا فلسه الحاكم وصده عنه ، والمذهب الحنث ، وكذا إن لم يحكم بفراقه ، ففارقه لعلمه بوجوب مفارقته ، نص عليه ، وإن لم يصده الحاكم بعد فلسه حنث ، وقيل : إن قضاه حقه من غير جنسه وهو ناو الوفاء ، ففارقه ، فلا ، وقال القاضي : إن كان لفظه : لا فارقتك ولي قبلك حق ، لم يحنث ، وإن قال : حتى أستوفي حقي منك حنث ، وكذا إن أحاله به ، فقبل وانصرف ، وإن ظن أنه بر ، فوجهان ، وإن فارقه عن كفيل ، أو رهن ، أو أبرأه منه ، حنث ، وإن وجدها مستحقها وأخذها ، خرج على الروايتين في الناسي .

                                                                                                                          فرع : إذا حلف المطلوب ألا يعطيه شيئا ، فوفاه عنه غيره بلا إذنه ، فلا حنث ، وإن حلف : لا فارقتك حتى آخذ حقي ، ففر الغريم ، حنث الحالف ، وإن أكره على إطلاقه ، فوجهان ، وإن فر الحالف ، فلا على الأشهر .

                                                                                                                          ( وإن حلف : لا افترقنا ، فهرب منه ، حنث ) لأن يمينه تقتضي ألا تحصل بينهما فرقة بوجه من جهة اللفظ والمعنى ، وقد حصلت ، وإن حلف لا أخذت حقك مني ، فأكره على دفعه [ ص: 324 ] حنث ، وإن وضعه الحالف بين يديه ، أو في حجره ، فلم يأخذه لم يحنث ، لأنه لا يضمن بمثل هذا مال ولا صيد ، ويحنث لو كانت يمينه : لا أعطيك ، لأنه يعد عطاء ، إذ هو تمكين وتسليم بحق ، فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة ، وإن أخذه حاكم فدفعه إلى الغريم وأخذه حنث ، نص عليه ، كقوله : لا تأخذ حقك علي ، وعند القاضي : لا ، كقوله : ولا أعطيكه ( وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقة البيع ) لأن الشرع رتب على ذلك أحكاما ، ولم يبين مقداره ، فوجب الرجوع فيه إلى العادة ، كالقبض والحرز




                                                                                                                          الخدمات العلمية