الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن شهد أربعة على رجل بالزنا فضرب بشهادتهم ثم وجد أحدهم عبدا أو محدودا في قذف فإنهم يحدون ) ; لأنهم قذفة إذ الشهود ثلاثة ( وليس عليهم ولا على بيت المال أرش الضرب ، وإن رجم فديته على بيت المال ، وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا : أرش الضرب أيضا على بيت المال ) قال العبد الضعيف عصمه الله : معناه إذا كان جرحه ، وعلى هذا الخلاف إذا مات من الضرب ، وعلى هذا إذا رجع الشهود لا يضمنون عنده وعندهما يضمنون . لهما أن الواجب بشهادتهم مطلق الضرب ، إذ الاحتراز عن الجرح خارج عن الوسع فينتظم الجارح وغيره فيضاف إلى شهادتهم فيضمنون بالرجوع ، وعند عدم الرجوع تجب على بيت المال ; لأنه ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم فصار كالرجم والقصاص . [ ص: 291 ] ولأبي حنيفة أن الواجب هو الجلد وهو ضرب مؤلم غير جارح ولا مهلك ، فلا يقع جارحا ظاهرا إلا لمعنى في الضارب وهو قلة هدايته فاقتصر عليه ، إلا أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح كي لا يمتنع الناس عن الإقامة مخافة الغرامة

التالي السابق


( قوله : وإن شهد أربعة على رجل بالزنا فضرب بشهادتهم إلخ ) حاصلها أنه إذا حد بشهادة شهود جلدا فجرحه الحد أو مات منه لعدم احتماله إياه ثم ظهر بعض الشهود عبدا أو محدودا في قذف أو أعمى أو كافرا فإنهم يحدون بالاتفاق ; لأن الشهود حينئذ أقل من أربعة ، ومتى كانوا أقل حدوا حد القذف . ثم قال أبو يوسف ومحمد : أرش الجراحة ودية النفس فيما إذا مات في بيت المال . وقال أبو حنيفة رحمه الله : لا شيء عليهم ولا على بيت المال ، ولو كان الحد الرجم فرجم ثم ظهر أحد الشهود على ما ذكرنا فديته على بيت المال اتفاقا .

قال المصنف ( وعلى هذا إذا رجع الشهود ) يعني بعد ما ضرب فجرح أو مات ( لا يضمنون عنده ، وعندهما يضمنون ) أرش الجراحة إن لم يمت والدية إن مات . وظاهر أنه لا يحسن كل الحسن لفظ وعلى هذا هنا لأن مثله يقال إذا كان الخلاف في المشار إليها كالخلاف المشبه به ، وليس هنا كذلك فإن ذلك الخلاف هو أن الأرش والدية في بيت المال عندهما ، وعنده ليس على بيت المال شيء وهنا عندهما على الشهود ، وعنده ليس عليهم شيء . وقال الشافعي ومالك وأحمد : الأرش والدية على الحاكم ( قوله لهما أن الواجب مطلق الضرب ، إذ الاحتراز عن الجرح خارج عن الوسع فينتظم الخارج وغيره فيضاف ) الجرح والموت ( إلى شهادتهم ) فصاروا كالمباشرين لما أوجبوه بشهادتهم فرجوعهم اعتراف بأنهم جناة في شهادتهم ، كمن ضرب شخصا بسوط فجرحه أو مات ، وكشهود القصاص والقطع إذا رجعوا ، هذا إذا رجعوا .

وأما إذا لم يرجعوا بل ظهر بعضهم عبدا أو محدودا إلخ وهو ما أراد بقوله وعند عدم الرجوع لم يكونوا معترفين بجنايتهم فيجب على بيت المال لأنه ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي لأنه الآمر له ، وفعل المأمور ينتقل إلى الآمر عند صحة [ ص: 291 ] الأمر فكأنه ضرب بنفسه ثم ظهر خطؤه ، وفيه يكون الضمان في بيت المال لأنه عامل للمسلمين لا لنفسه فتجب الغرامة التي لحقته بسبب عمله لهم في مالهم ، وصار الجرح والموت من الجلد كالرجم والقصاص إذا قضى به ، فإن الضمان عند ظهور الشهود محدودين أو عبيدا إلخ في بيت المال اتفاقا ( قوله ولأبي حنيفة أن الواجب بشهادتهم هو الحد وهو ضرب مؤلم غير جارح ولا مهلك ) فتضمن هذا منع قولهما : الواجب مطلق الضرب ، وقولهما في إثباته : إن الاحتزاز عن الجارح خارج عن الوسع ممنوع بل ممكن غير عسر أيضا ( ولا يقع جارحا إلا لحرق الضارب وقلة هدايته وترك احتياطه فاقتصر عليه ) فلم يتعد إلى الشهود ولا القاضي ، بخلاف الرجم فإنه مضاف إلى قضاء القاضي لأنه قضى به ابتداء ثم ظهر خطؤه ومصلحة عمله للعامة فيكون موجب ضرر خطئه عليهم في ما لهم لأن الغرم بالغنم .

أما الجلد الجارح فلم يقض به فلا يلزمه فيكون في بيت المال بل يقتصر على الجلاد ( إلا أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح ) لأنه لم يتعمده ، فلو ضمناه لامتنع الناس من الإقامة مخافة الغرامة ، وإذا لم تجب الغرامة عليه ولا على الشهود ولا على القاضي لتثبت في بيت المال لم تجب أصلا وهو المطلوب . وقوله في الصحيح احتراز عن قول فخر الإسلام في مبسوطه : لو قال قائل يجب الضمان على الجلاد فله وجه لأنه ليس مأمورا بهذا الوجه بل بضرب مؤلم لا جارح ولا كاسر ولا قاتل ، فإذا وجد فعله على هذا الوجه . رجع متعديا فيجب عليه الضمان ، وهذا أوجه من جعله احترازا عن جواب القياس ، وإنما يقال ذلك لضرورة عدم الخلاف في الواقع




الخدمات العلمية