الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( 52 ) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ( 53 ) ) [ ص: 468 ]

يقول تعالى ذكره : قل عسى أن يكون بعثكم أيها المشركون قريبا ، ذلك يوم يدعوكم ربكم بالخروج من قبوركم إلى موقف القيامة ، فتستجيبون بحمده .

اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( فتستجيبون بحمده ) فقال بعضهم : فتستجيبون بأمره .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) يقول : بأمره .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ( فتستجيبون بحمده ) قال : بأمره .

وقال آخرون : معنى ذلك : فتستجيبون بمعرفته وطاعته . [ ص: 469 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) : أي بمعرفته وطاعته .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : معناه : فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته ، ودعائه إياكم ، ولله الحمد في كل حال ، كما يقول القائل : فعلت ذلك الفعل بحمد الله ، يعني : لله الحمد على كل ما فعلته ، وكما قال الشاعر :


فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع



بمعنى : فإني والحمد لله لا ثوب فاجر لبست .

وقوله ( وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) يقول : وتحسبون عند موافاتكم القيامة من هول ما تعاينون فيها ما لبثتم في الأرض إلا قليلا كما قال جل ثناؤه ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) : أي في الدنيا ، تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقلت ، حين عاينوا يوم القيامة .

وقوله ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

وقل يا محمد لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة .

كما حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : ثنا النضر ، قال : أخبرنا المبارك ، عن الحسن في هذه الآية ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) قال : التي هي أحسن ، لا يقول له مثل قوله يقول له : يرحمك الله يغفر الله لك .

وقوله ( إن الشيطان ينزغ بينهم ) يقول : إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا ينزغ بينهم ، يقول : يفسد بينهم ، يهيج بينهم الشر ( إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) يقول : إن الشيطان كان لآدم وذريته عدوا ، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد ، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية