الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويدعو للميت في التكبيرة الثالثة ، لما روى أبو قتادة قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فسمعته يقول : اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا } وفي بعضها { اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام والإيمان } وهو فرض من فروضها ; لأن القصد من هذه الصلاة الدعاء للميت ، فلا يجوز الإخلال بالمقصود ، وأدنى الدعاء ما يقع عليه الاسم ، والسنة أن يقول ما رواه أبو قتادة وذكره الشافعي رحمه الله قال : يقول { : اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها - ومحبوبها وأحباؤه فيها - إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه ، كان يشهد أن لا إله إلا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به ، اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه ، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، ولقه برحمتك الأمن من عذابك ، حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين } وبأي شيء دعا جاز ; لأنه قد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية مختلفة فدل على أن الجميع جائز ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن الدعاء فرض في صلاة الجنازة وركن من أركانها وأقله ما يقع عليه اسم الدعاء ، وهل يشترط تخصيص الميت بالدعاء ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وآخرون .

                                      [ ص: 196 ] أحدهما ) : لا يشترط بل يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ويدخل فيه الميت ضمنا ، حكاه إمام الحرمين عن والده الشيخ أبي محمد الجويني . و ( الثاني ) : وهو الصحيح ، وبه قطع المصنف والجمهور ، ونقله إمام الحرمين عن ظاهر كلام الأئمة أنه يجب تخصيص الميت بالدعاء ، ولا يكفي الدعاء للمؤمنين وللمؤمنات ، فيقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ونحو ذلك ، واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء } رواه أبو داود وابن ماجه ، ومحل هذا الدعاء التكبيرة الثالثة ، وهو واجب فيها لا يجزئ في غيرها بلا خلاف ، وليس لتخصيصه بها دليل واضح ، واتفقوا على أنه لا يتعين لها دعاء .

                                      ( أما ) الأفضل فجاءت فيه أحاديث ( منها ) حديث عوف بن مالك قال { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه وأكرم نزله ، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ، ومن عذاب النار ، قال : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه مسلم في صحيحه ، وزاد مسلم في رواية له " وقه فتنة القبر وعذاب القبر " وذكر تمامه . ( ومنها ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان } رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم . قال الحاكم : هو صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وهذا لفظ رواية أكثرهم ، وفي رواية أبي داود " فأحيه على الإيمان " و " فتوفه على الإسلام " عكس رواية الجمهور ووقع في المهذب " فأحيه على الإسلام " و " فتوفه على الإسلام " بلفظ الإسلام [ ص: 197 ] فيهما ، وهذا تحريف ، ورواه الترمذي أيضا من رواية أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه صحبة ، ورواه أحمد بن حنبل والبيهقي وغيرهما من رواية أبي قتادة ، كما رواه أبو هريرة . وهذه هي الرواية المذكورة في الكتاب وإسنادها ضعيف . قال الترمذي : سمعت البخاري رحمه الله يقول : أصح روايات اللهم اغفر لحينا وميتنا رواية الأشهلي عن أبيه قال : وقال البخاري : أصح شيء في الباب حديث عوف بن مالك ، وذكره مختصرا . وحكى البيهقي عن الترمذي عن البخاري رحمه الله أنه قال : حديث أبي هريرة وعائشة وأبي قتادة في هذا الباب غير محفوظ وأصح ما في الباب حديث عوف بن مالك ( ومنها ) حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول : اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحمد ، فاغفر له وارحمه ، إنك الغفور الرحيم } رواه أبو داود وابن ماجه .

                                      ( ومنها ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة { اللهم أنت ربها ، وأنت خلقتها ، وأنت هديتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها ، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها ، جئنا شفعاء فاغفر له } رواه أبو داود ، فهذه قطعة من الأحاديث الواردة فيه . قال البيهقي والمتولي وآخرون من الأصحاب : التقط الشافعي من مجموع الأحاديث الواردة دعاء ورتبه واستحبه ، وهو الذي ذكره في مختصر المزني وذكره المصنف هنا . وفي التنبيه وسائر الأصحاب قال : يقول " اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه ، كان يشهد أن لا إله إلا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به ، اللهم نزل بك وأنت خير منزول به ، وأصبح فقيرا إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، ولقه برحمتك رضاك ، وقه فتنة القبر وعذابه ، وأفسح له في قبره ، وجاف الأرض [ ص: 198 ] عن جنبيه ، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين " قال أبو عبد الله الزهري من متقدمي أصحابنا في كتابه الكافي وغيره من أصحابنا فإن كانت امرأة قال : اللهم هذه أمتك . ثم ينسق الكلام ، ولو ذكرها على إرادة الشخص جاز . قال أصحابنا : فإن كان الميت صبيا أو صبية اقتصر على حديث : اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره ، وضم إليه : اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا ، وعظة واعتبارا وشفيعا ، وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره . والله أعلم .

                                      ( فرع ) في ألفاظ الفصل : قوله " خرج من روح الدنيا " هو بفتح الراء . قال أهل اللغة : هو نسيم الريح قوله " إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه قال القاضي حسين في تعليقه : معنى وما هو لاقيه هو الملكان اللذان يدخلان عليه ، وهما منكر ونكير . قوله " كان يشهد أن لا إله إلا أنت " قال صاحب البيان رحمه الله : معناه إنما دعوناك ; لأنه كان يشهد قوله " وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له " قال الأزهري رحمه الله : أصل الشفع الزيادة . قال فكأنهم طلبوا أن يزاد بدعائهم من رحمة الله إلى ما له بتوحيده وعمله والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية