الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3661 ) فصل : وليس له السفر بالمال ، في أحد الوجهين ، وهو مذهب الشافعي ; لأن في السفر تغريرا بالمال وخطرا ، ولهذا يروى : " إن المسافر وماله لعلى خطر " قلت ، إلا ما وقى الله تعالى : أي هلاك ، ولا يجوز له التغرير بالمال بغير إذن مالكه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني ، له السفر به إذا لم يكن مخوفا . قال القاضي : قياس المذهب جوازه ، بناء على السفر الوديعة . وهذا قول مالك . ويحكى ذلك عن أبي حنيفة ; لأن الإذن المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة ، والعادة جارية بالتجارة سفرا وحضرا ، . ولأن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض ، فملك ذلك بمطلقها ، وهذان الوجهان في المطلق .

                                                                                                                                            فأما إن أذن في السفر ، أو نهي عنه ، أو وجدت قرينة دالة على أحد الأمرين ، تعين ذلك ، وثبت ما أمر به . وحرم ما نهي عنه . وليس له السفر في موضع مخوف ، على الوجهين جميعا .

                                                                                                                                            وكذلك لو أذن له في السفر مطلقا ، لم يكن له السفر في طريق مخوف ، ولا إلى بلد مخوف ، فإن فعل ، فهو ضامن لما يتلف ; لأنه متعد بفعل ما ليس له فعله . وإن سافر في طريق آمن جاز ، ونفقته في مال نفسه .

                                                                                                                                            وبهذا قال ابن سيرين ، وحماد بن أبي سليمان . ظاهر مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وقال الحسن ، والنخعي ، والأوزاعي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي : ينفق من المال بالمعروف ، إذا شخص به عن البلد ; لأن سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه [ ص: 25 ] كأجر الحمال .

                                                                                                                                            ولنا ، أن نفقته تخصه ، فكانت عليه ، كنفقة الحضر ، وأجر الطبيب ، وثمن الطب ، ولأنه دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى ، فلا يكون له غيره ، ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه .

                                                                                                                                            فأما إن اشترط له النفقة ، فله ذلك ، وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره .

                                                                                                                                            قال أحمد ، في رواية الأثرم : أحب إلي أن يشترط نفقة محدودة ، وإن أطلق صح . نص عليه .

                                                                                                                                            وله نفقته من المأكول ، ولا كسوة له . قال أحمد : إذا قال : له نفقته . فإنه ينفق . قيل له : فيكتسي ؟ قال : لا ، إنما له النفقة . وإن كان سفره طويلا ، يحتاج إلى تجديد كسوة ، فظاهر كلام أحمد جوازها ; لأنه قيل له : فلم يشترط الكسوة ، إلا أنه في بلد بعيد ، وله مقام طويل ، يحتاج فيه إلى كسوة . فقال : إذا أذن له في النفقة فعل ، ما لم يحمل على مال الرجل ، ولم يكن ذلك قصده . هذا معناه .

                                                                                                                                            وقال القاضي وأبو الخطاب : إذا شرط له النفقة ، فله جميع نفقته ، من مأكول أو ملبوس بالمعروف

                                                                                                                                            وقال أحمد : ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه ، غير متعد بالنفقة ، ولا مضر بالمال لم يذهب أحمد إلى تقدير النفقة ; لأن الأسعار تختلف ، وقد تقل ، وقد تكثر . فإن اختلفا في قدر النفقة ، فقال أبو الخطاب : يرجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة ، وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله .

                                                                                                                                            فإن كان معه مال لنفسه مع مال المضاربة ، أو كان معه مضاربة أخرى ، أو بضاعة لآخر ، فالنفقة على قدر المالين ، لأن النفقة إنما كانت لأجل السفر ، والسفر للمالين ، فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما ، إلا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة مع علمه بذلك .

                                                                                                                                            ولو أذن له في السفر إلى موضع معين ، أو غير معين ، ثم لقيه رب المال في السفر ، إما بذلك الموضع ، أو في غيره ، وقد نض المال ، فأخذ ماله ، فطالبه العامل بنفقة الرجوع إلى بلده ، لم يكن له ; لأنه إنما يستحق النفقة ما داما في القراض ، وقد زال ، فزالت النفقة ، ولذلك لو مات لم يجب تكفينه . وقد قيل : له ذلك ; لأنه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغيره ، بتسفيره إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقدا أنه مستحق للنفقة ذاهبا وراجعا ، فإذا قطع عنه النفقة ، تضرر بذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية