الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1742 1839 - حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقصت برجل محرم ناقته، فقتلته، فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " اغسلوه، وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقربوه طيبا، فإنه يبعث يهل". [انظر: 1265 - مسلم: 1206 - فتح: 4 \ 52]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا الليث، حدثنا نافع، عن عبد الله بن عمر قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس، إلا أن يكون أحد ليست له نعلان، فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران، ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين". تابعه موسى بن [ ص: 428 ] عقبة، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وجويرية، وابن إسحاق. في النقاب والقفازين. وقال عبيد الله: ولا ورس، وكان يقول: لا تتنقب المحرمة، ولا تلبس القفازين. وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر : لا تتنقب المحرمة. وتابعه ليث بن أبي سليم.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث ابن عباس في الذي وقصته ناقته. وفيه: "ولا تقربوه طيبا، فإنه يبعث يهل".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما تعليق عائشة فأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، عنها أنها قالت: يكره للمحرم الثوب المصبوغ بالزعفران والمشبع بالعصفر للرجال والنساء إلا أن يكون ثوبا غسيلا.

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم، عن الأسود، عنها قالت: تلبس المحرمة ما شاءت إلا المهرود بالعصفر. وقد سلف في باب: "ما يلبس المحرم من الثياب" ورواه البيهقي من حديث معاذة عنها، قالت: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران.

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث ابن عمر فسلف في باب: "ما لا يلبس المحرم من الثياب" وغيره، وأصل حديث موسى بن عقبة سلف هناك، وقد رواها النسائي [ ص: 429 ] عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن موسى، وقال أبو داود: روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب، عن موسى مرفوعا، ورواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب وأبو قرة موقوفا، ورواه إبراهيم بن سعيد المدني، عن نافع، عن ابن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين" قال أبو عمر: ورفعه صحيح.

                                                                                                                                                                                                                              ومتابعة جويرية أخرجها أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، نا عمي جويرية بن أسماء ، ثنا نافع، فذكره.

                                                                                                                                                                                                                              ومتابعة ابن إسحاق أخرجها الحاكم من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني نافع به، مرفوعا، وكذا ذكره ابن حزم بلفظ: نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب.. الحديث بطوله. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وهو في أبي داود لكن بعنعنة ابن إسحاق، وقد صرح هنا بالتحديث فانتفت تهمة تدليسه. وقول الضياء المقدسي: "كأنه لم يسمعه منه" يرده ما ذكرناه [ ص: 430 ] وقد وقع مصرحا بالتحديث في بعض نسخ أبي داود من طريق ابن الأعرابي وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وقال عبيد الله: ولا ورس) وصله الحسن بن سفيان: أخبرنا العباس بن الوليد، ثنا يحيى القطان: ثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع، فذكره.

                                                                                                                                                                                                                              وأثر نافع عن ابن عمر : "لا تنتقب المحرمة" سلف في كلام أبي داود، وأخرجه الترمذي من حديث الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: "لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفازين" ثم قال: حسن صحيح.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان ، عن نافع، عن ابن عمر : أنه كره البرقع والقفاز للمحرمة. وحدثنا أبو خالد، عن يحيى بن سعيد ، وعبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: لا بأس بالقفازين. وذكر ليثا هنا في المتابعة، وحديث ابن عباس سلف في الجنائز.

                                                                                                                                                                                                                              والقفاز شيء يعمل لليدين; ليقيهما من البرد يحشى بقطن ويكون له أزرار على الساعدين، قاله الجوهري وغيره، ويتخذه الصائد أيضا، وهو أيضا ضرب من الحلي، قاله ابن سيده وغيره، وتقفزت المرأة: نقشت يديها ورجليها بالحناء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 431 ] والورس: نبت يصبغ به، قال أبو حنيفة الدينوري: يزرع باليمن زرعا، ولا يكون بغير اليمن، ولا يكون شيء منه بريا، ونباته مثل حب السمسم، فإذا جف عند إدراكه تفتق فينفض منه الورس، ويزرع سنة فيجلس عشر سنين. أي: يقيم في الأرض ينبت ويثمر، وفيه جنس يسمى الحبشي وفيه سواد، وهو أكبر الورس، والعرعر: ورس، والرمث ورس. قال أبو حنيفة: لست أعرفه بغير أرض العرب ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن. قال الأصمعي: ثلاثة أشياء لا تكون إلا باليمن، وقد ملأت الأرض; الورس، واللبان، والعصب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن البيطار في "جامعه": يؤتى بالورس من الصين والهند واليمن، وليس بنبات يزرع كما زعم من زعم، وهو يشبه زهر العصفر، ومنه شيء يشبه البنفسج، ويقال: إن الكركم عروقه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الفضل بن سلمة في كتاب "الطب": يقال: إن الكركم عروق الزعفران، والزعفران قال أبو حنيفة: لا أعلم ينبت بشيء من أرض العرب، وقد كثر مجيئه في كلامهم وأشعارهم، وقد زعم قوم أنه اسم أعجمي، وقد صرفته العرب. فقالوا: ثوب مزعفر، وقد زعفر ثوبه يزعفره زعفرة، والعبير عند العرب: الزعفران والخلوق، وقال مؤرج: يقال لورق الزعفران: الفيد. وبه سمي مؤرج أبا فيد. وفي "المحكم": جمعه بعضهم وإن كان جنسا: زعافر. وقال الجوهري: كترجمان وتراجم.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سبق فقه الباب في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 432 ] قال الطحاوي: ذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا: كل ثوب مسه ورس أو زعفران فلا يحل لبسه في الإحرام وإن غسل; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبين في هذه الآثار ما غسل من ذلك مما لم يغسل، فنهيه عام، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ما غسل من ذلك حتى لا ينفض فلا بأس بلبسه في الإحرام; ولأن الثوب الذي صبغ إنما نهي عن لبسه في حال الإحرام لما كان دخله مما هو (حرام) على المحرم، فإذا غسل وذهب ذلك المعنى منه عاد الثوب إلى أصله الأول، كالثوب الذي تصيبه النجاسة، فإذا غسل طهر وحلت الصلاة فيه.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: وممن رخص في ذلك سعيد بن المسيب والنخعي والحسن البصري وعطاء وطاوس، وبه قال الكوفيون والشافعي وأبو ثور، وكان مالك يكره ذلك إلا أن يكون قد غسل وذهب لونه.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي: وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه استثنى مما حرمه على المحرم من ذلك فقال: "إلا أن يكون غسيلا" ثم قال: حدثناه فهد، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو معاوية ، ثنا ابن أبي عمران، ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن أبي معاوية، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بمثل حديثه الذي في الباب- قال: فثبت بهذا استثناء الغسيل مما قد مسه ورس أو زعفران.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي عمران: رأيت يحيى بن معين يتعجب من الحماني إذ حدث بهذا الحديث، وقال عبد الرحمن بن صالح: هذا عندي، فوثب [ ص: 433 ] من فوره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية، كما ذكره الحماني فكتبه عنه يحيى بن معين.

                                                                                                                                                                                                                              قال الميموني: قال أبو عبد الله: إن كان قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: كان -يعني: أبا معاوية- مضطربا في أحاديث عبيد الله، ولم يجئ بها أحد غيره "إلا أن يكون غسيلا".

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم: إن صح وجب الوقوف عنده ولا نعلمه صحيحا، والحديث دال على أن المرأة لا تلبس القفازين; ولأن اليد عضو لا يجب على المرأة ستره في الصلاة فلا يجوز لها ستره في الإحرام كالوجه، فإحرامها في وجهها ويديها; لأن ما عداهما عورة، والوجه مختص بالنقاب، والكفان بالقفازين، وللشافعي قول آخر: أنه يجوز; لأن سعد بن أبي وقاص كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام، رواه في "الأم".




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية