الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله (تعالى): وما كان لنبي أن يغل ؛ قرئ: "يغل"؛ بضم الياء؛ ومعناه: "يخان"؛ وخص النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك - وإن كانت خيانة سائر الناس محظورة - تعظيما لأمر خيانته على خيانة غيره؛ كما قال (تعالى): فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ؛ وإن كان الرجس كله محظورا؛ ونحن مأمورون باجتنابه؛ وروي هذا التأويل عن الحسن؛ وقال ابن عباس ؛ وسعيد بن جبير ؛ في قوله (تعالى): "يغل"؛ بضم الياء: "إن معناه: "يخون"؛ فينسب إلى الخيانة"؛ وقال: نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر؛ فقال بعض الناس: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها؛ فأنزل الله (تعالى) هذه الآية؛ ومن قرأ: "يغل" بفتح الياء؛ معناه: "يخون"؛ والغلول الخيانة في الجملة؛ إلا أنه قد صار الإطلاق فيها يفيد الخيانة في المغنم؛ وقد عظم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الغلول؛ حتى أجراه مجرى الكبائر؛ وروى قتادة عن سالم بن أبي الجعد ؛ عن معدان بن أبي طلحة ؛ عن ثوبان ؛ مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث؛ دخل الجنة: الكبر؛ والغلول؛ والدين"؛ وروى عبد الله بن عمر أن رجلا كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له "كركرة" فمات؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هو في النار"؛ فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء؛ أو عباءة قد غلها؛ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أدوا الخيط والمخيط؛ فإنه عار؛ ونار؛ وشنار يوم القيامة"؛ والأخبار في أمر تغليظ الغلول كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

وقد روي في إباحة أكل الطعام؛ وأخذ علف الدواب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والصحابة؛ والتابعين أخبار مستفيضة؛ قال عبد الله بن أبي أوفى : "أصبنا طعاما يوم خيبر؛ فكان الرجل منا يأتي فيأخذ منه ما يكفيه؛ ثم ينصرف"؛ وعن سلمان أنه أصاب يوم المدائن أرغفة حوارى؛ وجبنا؛ وسكينا؛ فجعل يقطع من الجبنة ويقول: "كلوا؛ بسم الله"؛ وقد روى رويفع بن ثابت الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل لأحد يؤمن [ ص: 332 ] بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه؛ ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه"؛ وهذا محمول على الحال التي يكون فيها مستغنيا عنه؛ فأما إذا احتاج إليه فلا بأس به عند الفقهاء؛ وقد روي عن البراء بن مالك أنه ضرب رجلا من المشركين يوم اليمامة؛ فوقع على قفاه فأخذ سيفه؛ وقتله به.

التالي السابق


الخدمات العلمية