الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن قال: "إن مجموع أجزاء العالم واجبة أو قديمة" فقوله معلوم الفساد بالضرورة.

ومن قال: "إن الحوادث صادرة عن جزء منه واجب"
فقوله أيضا معلوم الفساد، سواء جعل ذلك الجزء الأفلاك أو بعضها، لوجهين:

أحدهما: أن ذلك الجزء الذي هو واجب بغيره إذا كان علة تامة لغيره لزم أيضا قدم معلوله معه، فيلزم أن لا يحدث شيء، وإن كان ذلك الجزء الواجب ليس هو علة تامة، امتنع صدور شيء عن غير علة تامة، ولو قدر إمكان الحدوث عن غير علة تامة أمكن حدوث كل ما سوى الله، فعلى كل تقدير قولهم باطل.

الوجه الثاني: أنه من المعلول أنه ليس شيء من أجزاء العالم مستقلا بالإبداع لغيره من أجزائه، وإن قيل: "إن بعض أجزائه سبب لبعض" فتأثيره متوقف على سبب آخر، وعلى انتفاء موانع، فلا يمكن أن يجعل شيء من أجزاء العالم ربا واجبا بنفسه، قديما مبدعا لغيره، والحوادث لا بد لها من رب واجب بنفسه قديم مبدع لغيره، وليس شيء من أجزاء العالم مما يمكن ذلك فيه، فعلم أن الرب تعالى خارج عن العالم وأجزائه وصفاته، وهذا كله مبسوط في موضع آخر.

[ ص: 155 ] والمقصود هنا بيان أنه ليس في المعقول ما يناقض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد علم أن المدعين لمعقول يناقضه صنفان:

صنف يجوزون عليه وعلى غيره من الرسل فيما أخبروا به عن الله تعالى وبلغوه إلى الأمم عن الله تعالى الكذب عمدا أو خطأ، أو أن يظهر نقيض ما يبطن، كما يقول ذلك من يقوله من الكفار بالرسل، ومن المظهرين لتصديقهم، كالمنافقين من المتفلسفة والقرامطة والباطنية ونحوهم ممن يقول بشيء من ذلك.

وصنف لا يجوزون عليهم ذلك، وهذا هو الذي يقوله المتكلمون المنتسبون إلى الإسلام على اختلاف أصنافهم.

والمبتدعة من هؤلاء مخطئون في السمع وفي العقل، ففي السمع حيث يقولون على الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقل عمدا أو خطأ، وفي العقل حيث يقررون ذلك بما يظنونه براهين، وإذا كانت الدعوى خطأ لم تكن حجتها إلا باطلة، فإن الدليل لازم لمدلوله، ولازم الحق لا يكون إلا حقا، وأما الباطل فقد يلزمه الحق، فلهذا يحتج على الحق بالحق تارة وبالباطل تارة، وأما الباطل فلا يحتج عليه إلا بباطل، فإن حجته لو كانت حقا لكان الباطل لازما للحق، وهذا لا يجوز، [ ص: 156 ] لأنه يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت اللازم، فلو كان الباطل مستلزما للحق لكان الباطل حقا، فإن الحجة الصحيحة لا تستلزم إلا حقا، وأما الدعوى الصحيحة: فقد تكون حجتها صحيحية، وقد تكون باطلة.

ومن أعظم ما بنى عليه المتكلمة النافية للأفعال وبعض الصفات أو جميعها أصولهم التي عارضوا بها الكتاب والسنة: هي هذه المسألة، وهي نفي قيام ما يشاؤه ويقدر عليه بذاته من أفعاله وغيرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية