الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ( 73 ) )

اختلف أهل التأويل في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره ، فقال بعضهم : ذلك الإلمام بالآلهة ، لأن المشركين دعوه إلى ذلك ، فهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود ، فمنعته قريش ، وقالوا : لا ندعه حتى يلم بآلهتنا ، فحدث نفسه ، وقال : ما علي أن ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر ، والله يعلم أني لها كاره ، فأبى الله ، فأنزل الله ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ) الآية . [ ص: 507 ]

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه ، وكان في قولهم أن قالوا : إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا وابن سيدنا ، فما زالوا يكلمونه حتى كاد أن يقارفهم ثم منعه الله وعصمه من ذلك ، فقال ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لتفتري علينا غيره ) قال : أطافوا به ليلة ، فقالوا : أنت سيدنا وابن سيدنا ، فأرادوه على بعض ما يريدون فهم أن يقارفهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله ، فذلك قوله ( لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) الذي أرادوا فهم أن يقارفهم فيه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : قالوا له : ائت آلهتنا فامسسها ، فذلك قوله ( شيئا قليلا ) .

وقال آخرون : إنما كان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن ينظر قوما بإسلامهم إلى مدة سألوه الإنظار إليها .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ) وذلك أن ثقيفا كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أجلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا ، فإذا قبضنا الذي يهدى لآلهتنا أخذناه ، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ، وأن يؤجلهم ، فقال الله ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه [ ص: 508 ] ليعمل بغيره ، وذلك هو الافتراء على الله ، وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمس آلهتهم ، ويلم بها ، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذكر عن ابن عباس من أمر ثقيف ، ومسألتهم إياه ما سألوه مما ذكرنا ، وجائز أن يكون غير ذلك ، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أي ذلك كان ، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا ، فلا شيء فيه أصوب من الإيمان بظاهره ، حتى يأتي خبر يجب التسليم له ببيان ما عني بذلك منه .

وقوله ( وإذا لاتخذوك خليلا ) يقول تعالى ذكره : ولو فعلت ما دعوك إليه من الفتنة عن الذي أوحينا إليك لاتخذوك إذا لأنفسهم خليلا وكنت لهم وكانوا لك أولياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية