الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6781 62 - حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، حدثنا جويرية ، عن مالك، عن الزهري أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم. فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائما! فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكثير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا. فدعوتهما له فشاورهما، ثم دعاني فقال: ادع لي عليا. فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا، ثم قال: ادع لي عثمان. فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح، فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد، يا علي! إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا. فقال: أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده. فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس؛ المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  وهذا آخر الأحاديث الستة التي أخرج كلا منها لكل من البيعة الستة.

                                                                                                                                                                                  وجويرية - مصغر جارية - ابن أسماء الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء الراوي عنه، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ، والمسور - بكسر الميم - بن مخرمة - بفتح الميم - ابن نوفل ابن أخت عبد الرحمن بن عوف ، يكنى أبا عبد الرحمن ، سمع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إن الرهط الذين ولاهم عمر رضي الله تعالى عنهم) ؛ عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم، وقال: إن عجل بي أمر فالشورى في هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو عنهم راض. وقال الطبري : فلم يكن أحد من أهل الإسلام يومئذ له منزلتهم من الدين والهجرة السابقة والفضل والعلم بسياسة الأمر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقال لهم عبد الرحمن ) ، هو ابن عوف .

                                                                                                                                                                                  قوله: (أنافسكم) ؛ أي: أنازعكم فيه، إذ ليس لي في الاستقلال بالخلافة رغبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (على هذا الأمر) ، هكذا في [ ص: 273 ] رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره: " عن هذا الأمر " ؛ أي: من جهته ولأجله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم) ؛ يعني أمر الاختيار منهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فمال الناس على عبد الرحمن ) من الميل، وفي رواية سعيد بن عامر : " فانثال الناس " بنون وبثاء مثلثة؛ أي: قصدوه كلهم شيئا بعد شيء، وأصل النثل الصب، يقال: نثل كنانته أي: صب ما فيها من السهام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا يطأ عقبه) بفتح العين المهملة وبكسر القاف وبالباء الموحدة؛ أي: ولا يمشي خلفه، وهي كناية عن الإعراض.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فمال الناس على عبد الرحمن ) ، كرر هذه اللفظة لبيان سبب الميل وهو قوله: " يشاورونه تلك الليالي ".

                                                                                                                                                                                  قوله: (بعد هجع) بفتح الهاء وسكون الجيم وبالعين المهملة؛ أي: بعد قطعة من الليل، يقال: لقيته بعد هجع من الليل، والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بمعنى، وقال صاحب العين : الهجوع النوم بالليل خاصة، يقال: هجع يهجع، وقوم هجع وهجوع.

                                                                                                                                                                                  قوله: (هذه الليلة) ، كذا في رواية المستملي ، وفي رواية غيره: " ما اكتحلت هذه الثلاث "، ويؤيده رواية سعيد بن عامر : " والله ما حملت فيها غمضا منذ ثلاث " .

                                                                                                                                                                                  قوله: (بكثير نوم) بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة، وهو مشعر بأنه لم يستوعب الليل سهرا بل نام، لكن يسيرا منه، والاكتحال في هذا كناية عن دخول النوم جفن العين كما يدخلها الكحل. ووقع في رواية يونس : " ما ذاقت عيناي كثير نوم " .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فشاورهما) من المشاورة، وفي رواية المستملي : " فسارهما " بالسين المهملة وتشديد الراء.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ليس لطلحة ذكر هاهنا! قلت: لعله كان شاوره قبلهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى ابهار الليل) بالباء الموحدة الساكنة وتشديد الراء؛ أي: حتى انتصف الليل، وبهرة كل شيء وسطه، وقيل: معظمه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (على طمع) ؛ أي: أن يوليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا) ؛ أي: من المخالفة الموجبة للفتنة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكانوا وافوا تلك الحجة) ؛ أي: قدموا إلى مكة فحجوا مع عمر ورافقوه إلى المدينة ، وأمراء الأجناد هم معاوية أمير الشام وعمير بن سعد أمير حمص والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة وأبو موسى الأشعري أمير البصرة وعمرو بن العاص أمير مصر .

                                                                                                                                                                                  قوله: (تشهد عبد الرحمن ) ، وفي رواية إبراهيم بن طهمان : " جلس عبد الرحمن على المنبر "، وفي رواية سعيد بن عامر : " فلما صلى صهيب بالناس صلاة الصبح جاء عبد الرحمن يتخطى حتى صعد المنبر " .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلا تجعلن على نفسك سبيلا) ؛ أي: من الخلافة إذا لم يوافق الجماعة، وهذا ظاهر أن عبد الرحمن لم يتردد عند البيعة في عثمان ، فإن قلت: في رواية عمرو بن ميمون التصريح بأنه بدأ بعلي فأخذ بيده فقال: لك قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقدم في الإسلام ما قد علمت، والله عليك لئن أمرتك لتعدلن وإن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان . فبايعه وبايعه علي رضي الله تعالى عنه - قلت: طريق الجمع بينهما أن عمرو بن ميمون حفظ ما لم يحفظه الآخر، ويحتمل أن يكون الآخر حفظه ولكن طوى ذكره بعض الرواة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فبايعه عبد الرحمن ) فيه حذف تقديره: " قال: نعم. " بعد أن قال له " أبايعك على سنة الله... " إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والمسلمون) من عطف العام على الخاص.

                                                                                                                                                                                  وفيه فائدة جليلة ذكرها ابن المنير وهي أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك ؛ لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل، مع أن عمر رضي الله تعالى عنه لم ينص لهم على الانفراد.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية