الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة

جزء

1462 - مالك : أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن [ ص: 355 ] الخزرج ، تصدق على أبويه بصدقة ، فهلكا ، فورث ابنهما المال ، وهو نخل ، فسأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : قد أجرت في صدقتك وخذها بميراثك .

التالي السابق

الشرح

33196 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، أَحْسَنُهَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ .

33197 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَتْ : كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِوَلِيدَةٍ ، وَأَنَّهَا مَاتَتْ ، وَتَرَكَتْ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ ، قَالَ : وَجَبَ أَجْرُكِ ، وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ بِالْمِيرَاثِ .

[ ص: 356 ] 33198 - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْحَارِثِيِّ الْخَزْرَجِيِّ - وَهُوَ الَّذِي أُرِي الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ فِيهِ لِينٌ ، وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ .

33199 - وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى بِالْحِجَازِ ، وَالْعِرَاقِ ، مِنْهُمْ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابُهُمْ فِي الْعَمَلِ بِهِ .

33200 - وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يَسْتَحِبُّ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا .

33201 - وَشَذَّتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَمْ تَعْرِفِ الْحَدِيثَ ، فَكَرِهَتْ لَهُ أَخْذَهَا بِالْمِيرَاثِ ، وَرَأَتْهُ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ .

33202 - وَقَدْ مَضَى قَوْلُنَا فِي الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ :

33203 - مِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ فِي الْفَرَسِ ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ لَحْمِ بَرَيْرَةَ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا .

33204 - وَرَوَيْنَا عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِالصَّدَقَةِ ، ثُمَّ يَرُدُّهَا إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ ، فَقَالَ : مَا رَدَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ ، فَكُلْ .

[ ص: 357 ] 33205 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ كَرِهَ رُجُوعَ الصَّدَقَةِ إِلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا بِالْمِيرَاثِ ; لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي عُمُومِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ ، وَمُخَالِفٌ الْأَثَرَ ، وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

33196 - قال أبو عمر : روي هذا الحديث من وجوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى واحد ، أحسنها حديث بريدة الأسلمي .

33197 - أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا محمد بن بكر حدثني أبو داود ، قال : حدثني أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثني زهير ، قال : حدثني عبد الله بن عطاء ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : كنت تصدقت على أمي بوليدة ، وأنها ماتت ، وتركت تلك الوليدة ، قال : وجب أجرك ، ورجعت إليك بالميراث .

[ ص: 356 ] 33198 - وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الحارثي الخزرجي - وهو الذي أري الأذان في المنام - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه فيه لين ، ولكنه يحتمل .

33199 - وجمهور العلماء على القول بهذا الحديث ، ولم يختلف أئمة الفتوى بالحجاز ، والعراق ، منهم مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم في العمل به .

33200 - وكان الحسن بن حي يستحب لمن تصدق بصدقة ، ثم رجعت إليه بالميراث أن يتصدق بها .

33201 - وشذت فرقة من أهل الظاهر لم تعرف الحديث ، فكرهت له أخذها بالميراث ، ورأته من باب الرجوع في الصدقة .

33202 - وقد مضى قولنا في الرجوع في الصدقة في مواضع من هذا الكتاب :

33203 - منها حديث عمر في الفرس ، ومنها حديث عائشة في قصة لحم بريرة ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

33204 - وروينا عن مسروق أنه سئل عن الرجل يتصدق بالصدقة ، ثم يردها إليه بالميراث ، فقال : ما رد عليك القرآن ، فكل .

[ ص: 357 ] 33205 - قال أبو عمر : لا معنى لقول من كره رجوع الصدقة إلى المتصدق بها بالميراث ; لأنه مخالف لظاهر القرآن في عموم آيات المواريث ، ومخالف الأثر ، وجمهور العلماء ، وبالله التوفيق .