الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة السادسة : هل يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد فريضتان أو لا ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز به فريضتان ، أو فرائض ما لم يحدث ، وعليه كثير من العلماء ، منهم الإمام أحمد في أشهر الروايتين ، والحسن البصري ، وأبو حنيفة ، وابن المسيب ، والزهري .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابهما إلى أنه لا تصلى به إلا فريضة واحدة ; وعزاه النووي في " شرح المهذب " لأكثر العلماء ، وذكر أن ابن المنذر حكاه عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن عمر ، والشافعي ، والنخعي ، وقتادة ، وربيعة ، ويحيى الأنصاري ، والليث ، وإسحاق ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      واحتج أهل القول الأول بأن النصوص الواردة في التيمم ، ليس فيها التقييد بفرض واحد ، وظاهرها الإطلاق ، وبحديث : " الصعيد الطيب وضوء المسلم " الحديث ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيح : " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " ، وقوله تعالى : ولكن يريد ليطهركم [ 5 \ 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      واحتج أهل القول الثاني بما روي عن ابن عباس رضي عنهما ، أنه قال : من السنة ألا يصلي بالتيمم إلا مكتوبة واحدة ، ثم يتيمم للأخرى ، وقول الصحابي من السنة [ ص: 369 ] له حكم الرفع على الصحيح عند المحدثين ، والأصوليين ، أخرج هذا الحديث الدارقطني ، والبيهقي من طريق الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عنه ، والحسن ضعيف جدا قال فيه ابن حجر في " التقريب " : متروك ، وقال فيه مسلم ، في مقدمة صحيحه : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود قال : قال لي شعبة : ائت جرير بن حازم ، فقل له : لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة ، فإنه يكذب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي لما ساق هذا الحديث في سننه : الحسن بن عمارة لا يحتج به ، اهـ . وهو أبو محمد البجلي مولاهم الكوفي قاضي بغداد ، واحتجوا أيضا بما روي عن ابن عمر ، وعلي ، وعمرو بن العاص موقوفا عليهم ، أما ابن عمر فرواه عنه البيهقي ، والحاكم من طريق عامر الأحول ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : يتيمم لكل صلاة ، وإن لم يحدث ، قال البيهقي : وهو أصح ما في الباب قال : ولا نعلم له مخالفا من الصحابة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده - عفا الله عنه - : ومثل هذا يسمى إجماعا سكوتيا ، وهو حجة عند أكثر العلماء ، ولكن أثر ابن عمر هذا الذي صححه البيهقي ، وسكت ابن حجر على تصحيحه له في " التلخيص " ، " والفتح " ، تكلم فيه بعض أهل العلم بأن عامرا الأحول ضعفه سفيان بن عيينة ، وأحمد بن حنبل ، وقيل : لم يسمع من نافع ، وضعف هذا الأثر ابن حزم ونقل خلافه عن ابن عباس ، وقال ابن حجر في " الفتح " : بعد أن ذكر أن البيهقي قال : لا نعلم له مخالفا ، وتعقب بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس ، أنه لا يجب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما عمرو بن العاص فرواه عنه الدارقطني ، والبيهقي ، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، أن عمرو بن العاص كان يتيمم لكل صلاة ، وبه كان يفتي قتادة ، وهذا فيه إرسال شديد بين قتادة ، وعمرو ، قاله ابن حجر في " التلخيص " ، والبيهقي في " السنن الكبرى " وهو ظاهر ، وأما علي فرواه عنه الدارقطني أيضا بإسناد فيه حجاج بن أرطأة والحارث الأعور ، قاله ابن حجر أيضا ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " بالإسناد الذي فيه المذكوران .

                                                                                                                                                                                                                                      أما حجاج بن أرطأة ، فقد قال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق ، كثير الخطأ ، والتدليس ، وأما الحارث الأعور فقال فيه ابن حجر في " التقريب " : كذبه الشعبي في رأيه ، ورمي بالرفض ، وفي حديثه ضعف ، وقال فيه مسلم في مقدمة صحيحه : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جابر عن مغيرة عن الشعبي ، قال : حدثني الحارث الأعور [ ص: 370 ] الهمداني ، وكان كذابا ، حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري ، حدثنا أبو أسامة عن مفضل عن مغيرة ، قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني الحارث الأعور وهو يشهد أنه أحد الكذابين ، وقد ذكر البيهقي هذا الأثر عن علي في التيمم ، في باب : " التيمم لكل فريضة " وسكت عن الكلام في المذكورين ، أعني حجاج بن أرطأة ، والحارث الأعور ، لكنه قال في حجاج في باب " المنع من التطهير بالنبيذ " : لا يحتج به ، وضعفه في باب : " الوضوء من لحوم الإبل " ، وقال في باب : " الدية أرباع " : مشهور بالتدليس ، وأنه يحدث عمن لم يلقه ، ولم يسمع منه ، قاله الدارقطني ، وضعف الحارث الأعور في باب : " منع التطهير بالنبيذ أيضا " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال في باب : " أصل القسامة " ، قال الشعبي : كان كذابا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية