الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6796 77 - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك، سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يكون اثنا عشر أميرا. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته لما قبله ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  وغندر - بضم الغين المعجمة وسكون النون - هو محمد بن جعفر ، وعبد الملك هو ابن عمير ، وصرح به في رواية مسلم ، وفي رواية سفيان بن عيينة : " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " ، وفي رواية أبي داود : " لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة " ، وقال المهلب : لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث بمعنى، فقوم يقولون: يكون اثنا عشر أميرا بعد الخلافة المعلومة مرضيين، وقوم يقولون: يكونون متواليين إمارتهم، وقوم يقولون: يكونون في زمن واحد كلهم من قريش يدعي الإمارة، فالذي يغلب عليه الظن أنه إنما أراد أن يخبر بأعاجيب ما يكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميرا، وما زاد على الاثني عشر فهو زيادة في التعجب كأنه أنذر بشرط من الشروط وبعضه يقع، ولو أراد - صلى الله تعالى عليه وسلم - غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميرا، يفعلون كذا ويصنعون كذا - فلما أعراهم من الخبر علمنا أنه أراد أن يخبر بكونهم في زمن واحد.

                                                                                                                                                                                  قيل: هذا الحديث له طرق غير الرواية التي ذكرها البخاري مختصرة.

                                                                                                                                                                                  وأخرج أبو داود هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ: " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة " ، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ: " لا يضرهم عداوة من عاداهم " .

                                                                                                                                                                                  وقيل: في هذا العدد سؤالان؛ أحدهما: أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة الذي أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان وغيره: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا " ؛ لأن الثلاثين لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما. والثاني: أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد!

                                                                                                                                                                                  وأجيب [ ص: 282 ] عن الأول أنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك، وعن الثاني أنه لم يقل: لا يلي إلا اثنا عشر وإنما قال: " يكون اثنا عشر "، فلا يمنع الزيادة عليه، وقيل: المراد من اثني عشر هم عدد الخلفاء من بني أمية ، ثم عند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني العباس فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغييرا بينا. وقيل: يحتمل أن يكون اثنا عشر بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان. وقيل: وجد في كتاب دانيال : إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكا كل واحد منهم إمام مهدي. وعن كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهديا، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال .

                                                                                                                                                                                  وقيل: المراد من وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق، وأن تتوالى أيامهم. ويؤيد هذا ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحران أبا الجلد حدثه أنه لا يهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل بيت محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - يعيش أحدهما أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة. وقيل: جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما، وهما معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم ، والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه سنة إحدى ومائة، وتغيرت الأحوال بعده وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقال أبي) ؛ يعني سمرة ، والوالد والولد كلاهما صحابيان.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وإنه) ؛ أي: وإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية