الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا استهل السقط أو تحرك ثم مات غسل وصلي عليه ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استهل السقط غسل وصلي عليه وورث وورث } ; ولأنه قد ثبت له حكم الدنيا في الإسلام والميراث والدية فغسل وصلي عليه كغيره ، وإن لم يستهل ولم يتحرك - فإن لم يكن له أربعة أشهر - كفن بخرقة ودفن ، وإن تم له أربعة أشهر ، ففيه قولان : ، قال في القديم يصلى عليه ; لأنه نفخ فيه الروح ، فصار كمن استهل وقال في الأم : لا يصلى عليه وهو الأصح ; لأنه لم يثبت له حكم الدنيا في الإرث وغيره ، فلم يصل عليه ، فإن قلنا : يصلى عليه غسل كغير السقط ، وإن قلنا : لا يصلى عليه ففي غسله قولان : ، قال في البويطي : لا يغسل ; لأنه لا يصلى عليه فلا يغسل كالشهيد ، وقال في الأم : يغسل ; لأن الغسل قد ينفرد عن الصلاة كما نقول في الكافر ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس من رواية ابن عباس غريب ، وإنما هو معروف من رواية جابر ، رواه من رواية جابر الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وإسناده ضعيف ، وفي بعض رواياته موقوف على جابر . قال الترمذي رحمه الله : كأن الموقوف أصح ، وقال النسائي : الموقوف أولى بالصواب ، رواه الترمذي في الجنائز ، والنسائي في الفرائض ، وابن ماجه فيهما ، وفي رواية البيهقي : " صلي عليه وورث وورث " ورواية المهذب ورث - بفتح الواو وكسر الراء ( وقوله ) : استهل أي : صرخ وأصل الإهلال رفع الصوت ، وفي السقط ثلاث لغات كسر السين وضمها وفتحها .

                                      ( أما حكم المسألة ) فللسقط أحوال : ( أحدها ) : أن يستهل فيجب غسله والصلاة عليه بلا خلاف عندنا لما ذكره المصنف ، ويكون كفنه ككفن البالغ ثلاثة أثواب .



                                      ( الثاني ) : أن يتحرك حركة تدل على الحياة ، ولا يستهل أو يختلج ففيه طريقان : ( المذهب ) : وبه قطع المصنف والعراقيون : يغسل ويصلى [ ص: 215 ] عليه قولا واحدا ( والثاني ) : حكاه الخراسانيون فيه قولان : وبعضهم يقول وجهان : ( أصحهما ) : هذا ( والثاني ) : حكاه الخراسانيون لا يصلى عليه وعلى هذا هل يغسل ؟ فيه طريقان : عندهم ( المذهب ) : يغسل ( والثاني ) : على قولين ( أحدهما ) : يغسل ( والثاني ) : لا يغسل .



                                      ( والثالث ) : أن لا تكون فيه حركة ولا اختلاج ولا غيرهما من أمارات الحياة فله حالان : : ( أحدهما ) : أن لا يبلغ أربعة أشهر فلا يصلى عليه بلا خلاف وفي غسله طريقان : ( المذهب ) : وبه قطع المصنف والجمهور : لا يغسل ( والثاني ) : حكاه بعض الخراسانيين كالقاضي حسين والرافعي وآخرين : فيه قولان : وذكرهما المحاملي في التجريد لكن قال : يشترط أن يكون ظهر فيه خلقة آدمي .

                                      ( والحال الثاني ) : أن يبلغ أربعة أشهر ففيه ثلاثة أقوال ذكرها المصنف والأصحاب ( الصحيح ) : المنصوص في الأم ومعظم كتب الشافعي : يجب غسله ، ولا تجب الصلاة عليه ولا تجوز أيضا ; لأن باب الغسل أوسع ولهذا يغسل الذمي ولا يصلى عليه ( والثاني ) : نص عليه في البويطي من الكتب الجديدة لا يصلى عليه ولا يغسل ( والثالث ) : حكاه المصنف والجمهور عن نصه في القديم أنه يغسل ويصلى عليه وقال الشيخ أبو حامد : المنصوص للشافعي رحمه الله في جميع كتبه أنه لا يصلى عليه ، قال : وحكى أصحابنا عن القديم أنه يصلى عليه ، وقال صاحب الحاوي ( الصحيح ) : الذي نص عليه الشافعي في القديم والجديد أنه لا يصلى عليه قال : ( والثاني ) : حكاه ابن أبي هريرة تخريجا عن الشافعي رحمه الله في القديم أنه يصلى عليه وقال البندنيجي رحمه الله : حكى أصحابنا عن القديم أنه يصلى عليه ، وقد قرأت القديم كله فلم أجده فقد اتفق هؤلاء على إنكار كونه في القديم .

                                      قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط : إن أوجبنا في هذه الأحوال الصلاة فالكفن التام واجب كما سبق ، يعني يكفن كفن البالغ في ثلاثة أثواب وإن لم نوجب الصلاة وجب دفنه بالاتفاق ، والخرقة التي تواريه ، وهي لفافة . قالا : والدفن واجب حينئذ قولا واحدا قالا : ثم تمام الكفن يتبع وجوب الصلاة قالا : وإذا ألقت المرأة مضغة لا يثبت بها حكم الاستيلاد ووجوب الغرة ولا غسل ولا تكفين ولا صلاة ، ولا يجب الدفن والأولى أن توارى . هذا كلامهما . [ ص: 216 ] وكذا قال البغوي : إذا ألقت علقة أو مضغة لم يظهر فيها شيء من خلق الآدمي فليس لها غسل ولا تكفين وتوارى كما يوارى دم الرجل إذا افتصد أو احتجم .

                                      ( وأما ) الرافعي رحمه الله فقال : ما يظهر فيه خلقة آدمي يكفي فيه المواراة كيف كانت فبعد ظهور خلقة الآدمي حكم التكفين حكم الغسل فجعله تابعا للغسل وجعله الإمام والغزالي تابعا للصلاة ، وما ذكره الرافعي رحمه الله أنسب .

                                      ( وأما ) المحاملي فذكر مسألة السقط في التجريد خلاف الأصحاب وخلاف ما ذكره هو أيضا في كتابه المجموع فقال : إن سقط بعد نفخ الروح ولم يستهل بأن سقط لفوق أربعة أشهر فقولان ، قال في القديم والجديد : لا يصلى عليه وفي البويطي : يصلى عليه قال : ولا خلاف على القولين أنه يغسل ويكفن ويدفن ، وإن سقط قبل أربعة أشهر فلا خلاف أنه لا يصلى عليه . نص عليه في جميع كتبه ثم إن لم يكن فيه خلق آدمي كظفر وغيره فلا حكم له فلا يغسل ولا يكفن ، وإن كان قد تخلق كفن ودفن وفي غسله قولان : هذا آخر كلامه وفي البيان عن الشيخ أبي حامد نحوه ولم أره في تعليق أبي حامد لكن نسخ التعليق تختلف والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الصلاة على الطفل والسقط أما الصبي فمذهبنا ومذهب جمهور السلف والخلف وجوب الصلاة عليه ونقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع فيه . وحكى أصحابنا عن سعيد بن جبير أنه قال : " لا يصلى عليه ما لم يبلغ " وخالف العلماء كافة . وحكى العبدري عن بعض العلماء أنه قال : إن كان قد صلى صلي عليه ، وإلا فلا ، وهذا أيضا شاذ مردود . واحتج له برواية من روى أن { النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه } ; ولأن المقصود من الصلاة الاستغفار للميت ، وهذا لا ذنب له . واحتج أصحابنا بعموم النصوص الواردة بالأمر بالصلاة على المسلمين ، وهذا داخل في عموم المسلمين ، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن { رسول [ ص: 217 ] الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلى عليه } رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح . وأجاب الأصحاب عن احتجاج سعيد بأن الرواية اختلفت في صلاته صلى الله عليه وسلم على إبراهيم فأثبتها كثيرون من الرواة ، قال البيهقي : وروايتهم أولى ، قال أصحابنا رحمهم الله : فهي أولى لأوجه ( أحدها ) : أنها أصح من رواية النفي ( الثاني ) : أنها مثبتة فوجب تقديمها على النافية كما تقرر ( الثالث ) يجمع بينهما ; فمن قال : صلى . أراد أمر بالصلاة عليه ، واشتغل صلى الله عليه وسلم بصلاة الكسوف ومن قال : لم يصل أي : لم يصل بنفسه . وأما الجواب عن قوله : المقصود المغفرة . فباطل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المجنون الذي بلغ مجنونا واستمر حتى مات ، وعلى من كان كافرا فأسلم ثم مات متصلا به من غير إحداث ذنب ، فإن الصلاة ثابتة في هذه المواضع بالإجماع ولا ذنب له بلا شك . والله أعلم . وأما السقط فقد ذكرنا تفصيل مذهبنا فيه ، قال مالك : لا يصلى عليه إلا أن يختلج ويتحرك ويطول ذلك عليه ، وحكى ابن المنذر عن جابر بن زيد التابعي والحكم وحماد ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي أنه إذا لم يستهل لا يصلى عليه وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يصلى عليه وإن لم يستهل ، وبه قال ابن سيرين وابن المسيب وأحمد وإسحاق . وقال العبدري : إن كان له دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف ، يعني بالإجماع ، وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء ، وقال أحمد وداود رحمهما الله : يصلى عليه .




                                      الخدمات العلمية