الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1808 حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا قال بل لكم خاصة

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا قال بل لكم خاصة ) : قال الخطابي : قد قيل إن الفسخ إنما وقع إلى العمرة لأنهم كانوا يحرمون العمرة في أشهر الحج ولا يستبيحونها فيها ، ففسخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج عليهم وأمرهم بالعمرة في زمان الحج ليزولوا عن شبه الجاهلية وليتمسكوا بما تبين لهم في الإسلام وقد بين صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليس لمن بعدهم ممن أحرم بالحج أن يفسخه . وقد اتفق أهل العلم على أنه إذا فسد حجه مضى فيه مع الفساد واختلفوا فيمن [ ص: 191 ] أهل بحجتين فقال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه : لا يلزمه إلا حجة واحدة ومن حجتهم في ذلك أن المضي فيها لا يلزم وأن فعله لم يصح بالإجماع وقال أبو حنيفة وأصحابه يرفض أحدهما إلى قابل لأنه يكون في معنى الفسخ وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن فسخ الحج كان لهم خاصا دون من بعدهم وقال سفيان الثوري : يلزمه حجة وعمرة من عامه ويهريق دما ويحج من قابل . وحكي عن مالك أنه قال يصير قارنا وعليه دم . ولا يلزمه على مذهب الشافعي شيء من عمرة ولا دم ولا قضاء من قابل انتهى .

                                                                      قلت قال المنذري . حديث بلال أخرجه النسائي وابن ماجه . قال الدارقطني : تفرد به ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث عن أبيه وتفرد به عبد العزيز الدراوردي عنه . هذا آخر كلامه . والحارث بن بلال شبه المجهول وقد قال الإمام أحمد في حديث بلال هذا إنه لا يثبت . هذا آخر كلامه . وحديث أبي ذر في ذلك صحيح ، انتهى . وفي المنتقى قال أحمد بن حنبل : حديث بلال بن الحارث عندي ليس بثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعني الحارث بن بلال . وقال أرأيت لو عرف الحارث بن بلال إلا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يروون ما يروون من الفسخ فأين يقع الحارث بن بلال منهم . وقال في رواية أبي داود : ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر ، ويشهد لما قاله قوله في حديث جابر بل هي للأبد . وحديث أبي ذر موقوف وقد خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما انتهى .

                                                                      وقال ابن القيم في زاد المعاد نحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه قال ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى . وقد روي عن عثمان مثل قول أبي ذر اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أن ذلك للأبد بمحض الرأي . قاله الشوكاني .

                                                                      وأما حديث أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده إجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة . ومن جملة ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال بالرأي ويجاب بأن هذا من مواطن الاجتهاد ومما للرأي فيه مدخل [ ص: 192 ] على أنه قد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أنه قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة مخصوصة . وقد أطال الكلام ابن القيم في ذلك والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية