الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الخامسة عشرة في نعت خلفائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : خرجت إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت على شيخ من الأزد عالم ، قد قرأ [ ص: 279 ] الكتب ، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين ، فقال : أحسبك حرميا ؟ قلت : نعم ، وأحسبك قرشيا ؟ قلت : نعم ، قال : وأحسبك يتيما ؟ قلت : نعم ، قال : بقيت لي منك واحدة ، قلت : ما هي ؟ قال : تكشف عن بطنك ، قلت : ولم ذاك ؟ قال : أجد في العلم الصادق أن نبيا يبعث في الحرم يعاون عليه أمره ، فتى وكهلا ، فأما الفتى فخواض غمرات ، ودفاع معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة ، وما عليك إلا أن تريني ، فقد تكاملت لي فيك الصفة ، إلا ما خفي علي . فقال أبو بكر الصديق : فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي ، فقال : أنت هو ، ورب الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن الربيع عن أنس رضي الله عنه قال : مكتوب في الكتاب الأول : مثل أبي بكر رضي الله عنه كمثل القطر أينما يقع نفع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل من أهل الكتاب : ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب ؟ قال : خليفة رسول الله وصديقه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال : أخبرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : خرجت مع ناس من قريش ، في تجارة إلى الشام في الجاهلية فذكر قصته ، قال : فانتهيت إلى دير فاستظللت في ظله فخرج إلي رجل ، فقال : يا عبد الله ، ما يجلسك ها هنا ؟ قلت : أضللت عن أصحابي ، فجاءني بطعام وشراب ، وصعد في النظر وخفضه . ثم قال : يا هذا ، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني بالكتاب ، وإني أجد صفتك التي تخرجنا من هذا الدير ، وتغلب على هذه البلدة ، قلت : أيها الرجل ، قد ذهبت في غير مذهب ، قال : ما اسمك ؟ قلت : عمر بن الخطاب ، قال : والله أنت صاحبنا ، فهو غير شك ، فاكتب لي على ديري وما فيه ، قلت : أيها الرجل ، قد صنعت معروفا ، فلا تكدره ، فقال : اكتب لي كتابا في رق كيس عليك فيه شيء ، فإن تك صاحبنا فهو ما نريد ، وإن تكن الأخرى ، فليس يضرك ، قلت : هات ، فكتبت له ثم ختمت عليه ، فلما قدم عمر الشام في خلافته ، أتاه ذلك الراهب ، وصاحب دير القدس بذلك الكتاب ، فلما رآه عمر تعجب منه ، وأنشأ يحدثنا حديثه ، فقال : أوف لي بشرطي ، فقال : ليس لعمر ولا لابن عمر منه شيء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن ابن مسعود ، وعبد الله ابن الإمام أحمد ، في زوائد الزهد ، عن أبي عبيدة رضي الله عنهما قالا : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركض فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكشف ثوبه عن فخذه ، فرأى أهل نجران أن بفخذه شامة سوداء ، فقالوا : هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا ، وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام : إنه مكتوب في هذه الكتب ، إن [ ص: 280 ] هذه البلاد مفتوحة على يد رجل صالح من المؤمنين ، رحيم بهم ، شديد على الكافرين ، سره مثل علانيته ، وقوله لا يخالف فعله ، القريب والبعيد سواء في الحق عنده أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار ، متراحمون ، متواصلون ، متبارون ، قال عمر رضي الله عنه : أحق ما تقول ؟ قال : إي والله ، قال : الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن عبيد بن آدم ، وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية ، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس قالوا : ما اسمك ؟ وما اسم صاحبك ؟ قال : عمر بن الخطاب ، قالوا : انعته لنا ، فنعته ، قالوا : أما أنت فلست تفتحها ، ولكن عمر؛ فإنا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الأخرى ، وكل رجل يفتحها نعته ، وإنا نجد في الكتاب قيسارية ، تفتح قبل بيت المقدس ، فاذهبوا فافتحوها ثم تعالوا بصاحبكم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن ابن سيرين رضي الله عنه قال : قال كعب لعمر : يا أمير المؤمنين ، هل ترى في منامك شيئا ؟ فانتهره ، فقال : أنا أجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الأوزاعي رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب : كيف تجد نعتي في التوراة ؟ قال : خليفة قرن من حديد ، أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم ، ثم خليفة من بعدك تقتله أمة ظالمون له ، ثم يقع البلاء بعده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن الأقرع مؤذن عمر ، أن عمر رضي الله عنه دعا الأسقف ، فقال : هل تجدوننا في شيء من كتبكم ؟ قالوا : نجد صفتكم وأعمالكم ، ولا نجد أسماءكم ، قال : كيف تجدونني ؟ قالوا : قرنا من حديد ، قال : ما قرن من حديد ؟ قالوا : أمير شديد ، قال عمر : الله أكبر ، قال : والذي من بعدي ؟ قالوا : رجل صالح يؤثر أقرباءه ، قال عمر : يرحم الله ابن عفان ، فالذي من بعده ، قال : صداء حديد ، فقال عمر : وادفراه! قال : مهلا يا أمير المؤمنين ، فإنه رجل صالح ، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء والسيف مسلول .

                                                                                                                                                                                                                              وروى إسحاق بن راهويه في مسنده بسند حسن عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش ، فيقول لهم : لا تقتلوا هذا الرجل ، يعني عثمان ، فيقولون : والله ما نريد قتله ، فيخرج وهو يقول : والله ليقتلنه ، ثم قال لهم : لا تقتلوه ، فو الله ، ليموتن إلى أربعين يوما ، فأبوا؛ فخرج عليهم بعد أيام ، فقال لهم : لا تقتلوه ، فو الله ، ليموتن إلى خمس عشرة ليلة . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس ، قال : سئل عبد الله بن سلام ، حين قتل عثمان رضي الله عنه : كيف تجدون صفة عثمان في كتابكم ، قال : نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل . [ ص: 281 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل لذي قربات الحميري ، وكان من أعلم يهود : يا ذا قربات ، من بعده ؟ قال : الأمير ، يعني أبا بكر رضي الله عنه ، قيل : فمن بعده ؟ قال : قرنا من حديد ، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل : فمن بعده ؟ قال : الأزهر ، يعني عثمان رضي الله عنه ، قيل : فمن بعده ؟ قال : الوضاح المنصور ، يعني معاوية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى إسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال : قال ابن سلام : لما قتل علي قال : هذا رأس الأربعين ، وسيكون عندها صلح .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أبي صالح رضي الله عنه قال : كان الحادي يحدو بعثمان رضي الله عنه وهو يقول :

                                                                                                                                                                                                                              إن الأمير بعده علي وفي الزبير خلف مرضي فقال كعب : لا ، بل معاوية ، فأخذ معاوية بذلك ، وقال : يا أبا إسحاق ، أنى يكون هذا ، وها هنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علي والزبير ؟ قال : أنت صاحبها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي رضي الله عنه قال : اصطحب قيس بن خرشة ، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين ، وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله ، فقال قيس : ما يدريك ، فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به ؟ فقال كعب : ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن عبيد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال : لما أتي برأس المختار ، قال : ما حدثني كعب الأحبار بحديث إلا وجدت مصداقه إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني ، قال الأعمش : ما درى أن الحجاج خبئ له .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الله ابن الإمام أحمد ، في زوائد الزهد ، عن هشام بن خالد الربعي رضي الله عنه قال : قد قرأت في التوراة أن السماء والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن محمد بن فضالة رضي الله عنه أن راهبا قال : إنا نجد عمر بن عبد العزيز من أئمة العدل موضع رجب من الأشهر الحرم .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن الوليد بن هشام بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال : نزلنا أرض كذا ، فقال رجل : ألا تسمع ما يقول هذا الراهب ؟ زعم أن سليمان بن عبد الملك توفي قال : فمن استخلف بعده ؟ قال : الأشج عمر بن عبد العزيز ، فلما قدمت الشام إذا هو كما قال ، فلما كان [ ص: 282 ] العام الرابع نزلنا ذلك المنزل ، فأتاه ذلك الرجل ، فقال : يا راهب ، الحديث الذي حدثتناه وقع ، كما قلت ، قال : فإنه والله ، إنه قد سقي عمر السم ، فأتيناه ، فوجدناه كذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر من طريق المغيرة بن النعمان عن رجل من أهل البصرة ، قال : خرجت أريد بيت المقدس ، فأواني المطر إلى صومعة راهب ، فأشرف علي ، فقال : إنا نجد في كتابنا أن قوما من أهل دينكم يقتلون بعذراء ، لا حساب عليهم ، ولا عذاب ، فما مكثت إلا يسيرا حتى جيء بحجر بن عدي وأصحابه ، فقتلوا بعذراء ، وروى البيهقي عن كعب : تظهر رايات سود لبني العباس ، حتى ينزلوا الشام ، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم ، والآثار في هذا كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة عشرة وبشق الصدر في أحد القولين والأصح ، قلت : الراجح المشاركة ، فقد روى سعيد بن منصور وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة تابوت بني إسرائيل فيه سكينة من ربكم قال : طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيها قلوب الأنبياء ، ورواه من طريق آخر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنه ولكن سند هذا الطريق ضعيف ، ولم أر لعدم المشاركة ما يعتمد عليه ببعض الفحص ، ولم يتعرض الشيخ في الكبرى لدلائل ما رجحه هنا ، وتقدم في شرح قصة المعراج ما يتعلق بشق الصدر أنه وقع أربع مرات فراجعه .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              وتجعل خاتم النبوة يظهر بأن قلبه حيث يدخل الشيطان ، وقد أبيت القول في ذلك في شرح غريب قصة المعراج؛ فراجعه .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه له صلى الله عليه وسلم ألف اسم .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              وباشتقاق اسمه من اسم الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه سمي من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما ، وتقدم بيان ذلك في بيان أسمائه الشرعية .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية