الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا علي بن حجر ) بضم حاء فسكون جيم ( حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد ) بالتصغير أي : الملقب بالطويل ( عن أنس بن مالك أنه سئل عن صوم النبي ) وفي نسخة رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - فقال كان يصوم ) أي : أحيانا ( من الشهر ) أي : بعض أيامه متصلة ( حتى نرى ) بنون الجمع بالتحتية على بناء المجهول ، ويجوز بالمثناة الفوقانية على الخطاب كذا ذكره ميرك ، وتبعه الحنفي ، وقال ابن حجر : أي : نظن بالنون ، والياء متكلما ، وغائبا انتهى . فقوله غائبا يحتمل المعلوم والمجهول بل إطلاقه يؤيد الأول فتأمل ، وإما حل المعنى فعلى وفق ما سبق في نقول كما لا يخفى ثم قوله ( أن لا يريد ) بالنصب ، ووجهه ظاهر وروي بالرفع على أن ( أن ) مخففة من الثقيلة ، وفي نسخة أنه لا يريد على أن الضمير راجع إليه - صلى الله عليه وسلم - فالرفع متعين كما أن النصب لازم في قوله ( أن يفطر منه ) أي : من الشهر شيئا كما تدل عليه قرينته الآتية ( ويفطر ) أي : منه كما في بعض النسخ المصححة ، والمعنى وكان يفطر أحيانا من الشهر إفطارا متتابعا ( حتى نرى ) بالوجوه الثلاثة ( أنه ) كذا في الأصل وفي كثير من النسخ أن ( لا يريد ) ويعلم حاله مما سبق ( أن يصوم منه ) أي : من الشهر ( شيئا ) أي : من الصيام أو الأيام ( وكنت ) بالخطاب العام ( لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا أن رأيته ) أي : إلا وقت أن رأيته ( مصليا ولا نائما إلا رأيته ) بدون أن خلاف ما قبله ، فهو على حذف مناف أي : إلا زمان رؤيتك إياه ، فالتقدير هنا كما في ما قبله ، وفي نسخة إلا أن رأيته ، والتقدير وقت مشيئتك أبدا يكون وقت الصلاة والنوم بالاعتبارين السابقين ( نائما ) أي : أن صلاته ، ونومه كان يختلف بالليل ولا يرتب وقتا معينا [ ص: 118 ] بل بحسب ما تيسر له القيام ، ولا يعارضه قول عائشة كان إذا سمع الصارخ قام ، فإن عائشة تخبر عما لها عليه إطلاع ، وذلك أن صلاة الليل كانت تقع منه غالبا في البيت فخبر أنس محمول على ما وراء ذلك كذا حققه العسقلاني في كتاب التهجد من شرح البخاري ، وقال في كتاب الصيام يعني أن حاله في التطوع بقيام الليل يختلف ، فكان تارة يقوم من أوقات الليل ، وتارة في وسطه ، وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما ، فوافاه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام على وفق ما أراد أن يراه هذا معنى الخبر وليس المراد أنه كان يستوعب الليل قائما ، ولا يشكل على هذا قول عائشة كان إذا صلى صلاة داوم عليها ، وقولها في الرواية الأخرى كان عمله ديمة ; لأن المراد ما اتخذه واجبا لا مطلق النافلة ، وهذا وجه الجمع بين الحديثين ، وإلا فظاهرهما التعارض انتهى كلامه .

فقال ميرك : هو لا يشفي العليل كما ترى قلت : الأظهر أن يقال إعمال العمل المسمى بالتهجد مثلا تارة يصلي في أول الوقت وتارة في آخره لا ينافي مداومة العمل كما أن صلاة الفرض تارة يصلي في أول الوقت ، وتارة في آخره لا ينافي وهذا أمر ظاهر ، ودليل باهر يشفى به العليل ويصح فيه التعليل وهو حسبي ونعم الوكيل .

وقال المظهر : لا في لا تشاء بمعنى ليس أو بمعنى لم أي لست تشاء أو لم تكن تشاء أي لا من زمان تشاء ، قال الطيبي : فلعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل ، وتقديره على الإثبات أن يقال أن تشاء رؤيته متهجدا ، وإن تشاء رؤيته نائما رأيته نائما يعني كان أمره قصدا لا إسراف ، ولا تقصير ينام أوان ينبغي أن ينام فيه كأول الليل ، ويصلي أوان ينبغي أن يصلي فيه كآخر الليل ، وعلى هذا حكاية الصوم ويشهد له حديث ثلاثة رهط على ما روى أنس قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أصوم النهار أبدا ولا أفطر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما أنا فأصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، أو كما قال ثم قال : فمن رغب عن سنتي فليس مني ذكره ميرك وزاد أنس على السؤال زيادة إفادة حال الصلاة لاستيفاء الأحوال وللدلالة على كمال استحضاره في كل منوال .

التالي السابق


الخدمات العلمية