الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء فيهم قولان. أحدهما: أنهم الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى. والثاني: أنهم السبعون الذين اختارهم موسى. وجعلكم ملوكا فيه خمسة أقاويل: أحدها: لأنهم ملكوا أنفسهم بأن خلصهم من استعباد القبط لهم ، وهذا قول الحسن . والثاني: لأن كل واحد ملك نفسه وأهله وماله ، وهذا قول السدي . والثالث: لأنهم كانوا أول من ملك الخدم من بني آدم ، وهو قول قتادة . والرابع: أنهم جعلوا ملوكا بالمن والسلوى والحجر ، وهذا قول ابن عباس . [ ص: 25 ] والخامس: أن كل من ملك دارا وزوجة وخادما ، فهو ملك من سائر الناس ، وهذا قول عبد الله بن عمرو بن العاص ، والحسن ، وزيد بن أسلم . وقد روى زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له بيت [يأوي إليه وزوجة] وخادم ، فهو ملك . وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين فيه قولان: أحدهما: المن والسلوى والغمام والحجر ، وهو قول مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: كثرة الأنبياء فيهم والآيات التي جاءتهم. قوله تعالى: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أرض بيت المقدس ، وهذا قول ابن عباس ، والسدي . والثاني: دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، وهذا قول الزجاج . والثالث: هي الشام ، وهذا قول قتادة ، ومعنى المقدسة: المطهرة. وقوله: التي كتب الله لكم وإن قال: فإنها محرمة عليهم لأنها كانت هبة من الله تعالى لهم ثم حرمها عليهم بعد معصيتهم. ولا ترتدوا على أدباركم فيه تأويلان: أحدهما: لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته. والثاني: لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها. قوله تعالى: قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين والجبار: هو الذي يجبر الناس على ما يريد إكراههم عليه ، ومنه جبر العظم ، لأنه كالإكراه على [ ص: 26 ] الصلاح ، ويقال [للأعواد التي] تحمله جبارة ، إذا قامت اليد طولا ، لأنها امتنعت كامتناع الجبار من الناس. وقيل بلغ من جبروت هؤلاء القوم ، أن واحدا منهم ، أخذ الاثني عشر نقيبا ، الذين بعثهم موسى ، ليخبروه بحربهم ، فحملهم مع فاكهة حملها من بستانه ، وجاء فنشرهم بين يدي الملك ، وقال: هؤلاء يريدون أن يقاتلونا ، فقال الملك: ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا. قوله تعالى: قال رجلان من الذين يخافون فيه قولان: أحدهم: يخافون الله ، وهو قول قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يخافون الجبارين ، ولم يمنعهم خوفهم من قول الحق. أنعم الله عليهما فيه تأويلان: أحدهما: بالتوفيق للطاعة. والثاني: بالإسلام ، وهو قول الحسن . وفي هذين الرجلين قولان: أحدهما: أنهما من النقباء يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي . والثاني: أنهما رجلان ، كانا في مدينة الجبارين أنعم الله عليهما بالإسلام ، وهذا مروي عن ابن عباس . ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون فيه تأويلان: أحدهما: إنما قالوه لعلمهم بأن الله كتبها لهم. والثاني: لعلمهم بأن الله ينصرهم على أعدائه ، ولم يمنعهم خوفهم من القول الحق ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول الحق إذا رآه أو علمه فإنه لا يبعد من رزق ولا يدني من أجل . [ ص: 27 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية