الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  702 123 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: " يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ".

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعبد الله بن مسلمة هو القعنبي، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                                  وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والباقي عنعنة.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي في الصلاة، عن قتيبة، وعن عمرو بن علي، وعن سويد بن نصر، عن ابن المبارك .

                                                                                                                                                                                  قوله: " حذو منكبيه ": أي إزاء منكبيه، الحذو والحذاء: الإزاء والمقابل. قوله: " رفعهما " جواب لقوله: " وإذا رفع ". قوله: " كذلك ": أي حذو منكبيه. قوله: " وكان لا يفعل ذلك في السجود ": أي لا يرفع يديه في ابتداء السجود والرفع منه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستنبط منه) وهو على وجوه:

                                                                                                                                                                                  الأول: فيه رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وقال ابن المنذر : ولم يختلفوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وفي شرح المهذب: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع فيه، ونقل العبدري، عن الزيدية - ولا يعتد بهم - أنه لا يرفع يديه عند الإحرام.

                                                                                                                                                                                  وفي فتاوى القفال أن أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي قال: إذا لم يرفع يديه لم تصح صلاته؛ لأنها واجبة، فوجب الرفع لها بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها؛ لأنها غير واجبة، قال النووي : وهذا مردود بإجماع من قبله، وقال ابن حزم : رفع اليدين في أول الصلاة فرض، لا تجزئ الصلاة إلا به، وقد روي ذلك عن الأوزاعي .

                                                                                                                                                                                  (قلت): وممن قال بالوجوب الحميدي، وابن خزيمة نقله عنه الحاكم، وحكاه القاضي حسين، عن أحمد، وقال ابن عبد البر: كل من نقل عنه الإيجاب لا تبطل الصلاة بتركه، إلا رواية عن الأوزاعي والحميدي، ونقله القرطبي عن بعض المالكية.

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في كيفية الرفع، فقال الطحاوي : يرفع ناشرا أصابعه، مستقبلا بباطن كفيه القبلة، كأنه لمح ما في الأوسط للطبراني من حديثه، عن محمد بن حزم، حدثنا عمر بن عمران، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " إذا استفتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القبلة؛ فإن الله تعالى عز وجل أمامه ".

                                                                                                                                                                                  وفي المحيط: ولا يفرج بين الأصابع تفريجا، كأنه يشير إلى ما رواه الترمذي من حديث سعيد بن سمعان : " دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زريق، فقال: ثلاث كان يعمل بهن، فتركهن الناس، كان صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة قال هكذا، وأشار أبو عامر العقدي بيده ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها " وضعفه.

                                                                                                                                                                                  وفي الحاوي للماوردي : يجعل باطن كل كف إلى الأخرى، وعن سحنون ظهورهما إلى السماء، وبطونهما إلى الأرض، وعن القاضي يقيمهما محنيتين شيئا يسيرا.

                                                                                                                                                                                  ونقل المحاملي عن أصحابهم: يستحب تفريق الأصابع، وقال الغزالي : لا يتكلف ضما ولا تفريقا، بل يتركهما على هيئتهما، وقال الرافعي : يفرق تفريقا وسطا، وفي المغني لابن قدامة : يستحب أن يمد أصابعه، ويضم بعضها إلى بعض.

                                                                                                                                                                                  (الوجه الثاني) في وقت الرفع: فظاهر رواية البخاري أنه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، وفي رواية لمسلم أنه رفعهما ثم كبر، وفي رواية له: ثم رفع يديه فهذه حالات فعلت لبيان جواز كل منها.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب التوضيح: وهي أوجه لأصحابنا، أصحها الابتداء بالرفع مع ابتداء التكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور من مذهب مالك، ونسبة الغزالي إلى المحققين.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 272 ] وفي شرح الهداية: يرفع ثم يكبر، وقال صاحب المبسوط: وعليه أكثر مشايخنا، وقال خواهر زاده : يرفع مقارنا للتكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور من مذهب مالك، وفي شرح المهذب: الصحيح أن يكون ابتداء الرفع مع التكبير، وانتهاؤه مع انتهائه، وهو المنصوص. وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين. وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير، وهذا مصحح عند البغوي . وقيل: يبتدئ بهما معا، وينتهي التكبير مع انتهاء الإرسال. وقيل: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء، وهذا مصحح عند الرافعي .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : ورفعهما تعبد. وقيل: إشارة إلى التوحيد. وقيل: حكمته أن يراه الأصم، فيعلم دخوله في الصلاة، والتكبير لإسماع الأعمى، فيعلم دخوله في الصلاة.

                                                                                                                                                                                  وقيل: انقياد. وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا، والإقبال بالكلية إلى الصلاة. وقيل: استعظام ما دخل فيه. وقيل: إشارة إلى تمام القيام. وقيل: إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود. وقيل: ليستقبل بجميع بدنه، وقال القرطبي : هذا أنسبها، وقال الربيع : قلت للشافعي : ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم - ونقل عن عبد البر، عن ابن عمر أنه قال: رفع اليدين من زينة الصلاة بكل رفع عشر حسنات، بكل أصبع حسنة .

                                                                                                                                                                                  (الوجه الثالث): إلى أين يرفع؟ فظاهر الحديث يرفع حذو منكبيه، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال القرطبي : هذا أصح قولي مالك، وفي رواية عنه: إلى صدره، وعندنا ما ذكره صاحب المحيط: يرفع يديه حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتيهما، وبرؤوس أصابعه فروع أذنيه؛ لما روى مسلم، عن مالك بن الحويرث: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه " وفي لفظ: " حتى يحاذي بهما فروع أذنيه "، وعن أنس مثله عند الدارقطني، وسنده صحيح.

                                                                                                                                                                                  وعن البراء من عند الطحاوي : " يرفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه "، وذهب ابن حبيب إلى رفعهما إلى حذو أذنيه، وفي رواية: فوق رأسه، وقال ابن عبد البر : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الرفع مدا مع الرأس ، وروي أنه كان يرفعهما حذاء أذنيه ، وروي إلى صدره ، وروي حذو منكبيه ، وكلها آثار محفوظة مشهورة، دالة على التوسعة.

                                                                                                                                                                                  وعن ابن طاوس، عن طاوس : أنه كان يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه، وقال: رأيت ابن عباس يصنعه، ولا أعلم إلا أنه قال: كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يصنعه ، وصححه ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام، ويكبر مرة واحدة، وعند الرافضة ثلاثا، وأخرج ابن ماجه : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه عند كل تكبيرة "، وزعم النووي أن هذا الحديث باطل لا أصل له.

                                                                                                                                                                                  (الوجه الرابع): فيه رفع اليدين عند تكبير الركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وابن جرير الطبري، ورواية عن مالك، وإليه ذهب الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم، وقتادة، ومكحول، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة.

                                                                                                                                                                                  وقال البخاري في كتابه رفع اليدين في الصلاة بعد أن أخرجه من طريق علي رضي الله تعالى عنه، وكذلك روي عن تسعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، وعدد أكثرهم، وزاد البيهقي جماعات.

                                                                                                                                                                                  وذكر ابن الأثير في (شرحه) أن ذلك روي عن أكثر من عشرين نفرا، وزاد فيهم الخدري، وقال الحاكم : من جملتهم العشرة المشهود لهم بالجنة، وقال القاضي أبو الطيب : قال أبو علي : روى الرفع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيف وثلاثون من الصحابة، وفي التوضيح: ثم المشهور أنه لا يجب شيء من الرفع، وحكي الإجماع عليه، وحكي عن داود إيجابه في تكبيرة الإحرام، وبه قال ابن سيار من أصحابنا، وحكي عن بعض المالكية، وحكي عن أبي حنيفة ما يقتضي الإثم بتركه.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن خزيمة : من ترك الرفع في الصلاة فقد ترك ركنا من أركانها، وفي قواعد ابن رشد عن بعضهم وجوبه أيضا عند السجود، وعند أبي حنيفة وأصحابه: لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، وبه قال الثوري، والنخعي، وابن أبي ليلى، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وعامر الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وخيثمة، والمغيرة، ووكيع، وعاصم بن كليب، وزفر، وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وهو المشهور من مذهبه، والمعمول عند أصحابه.

                                                                                                                                                                                  وقال الترمذي : وبه يقول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وهو قول سفيان، وأهل الكوفة، وفي البدائع روي عن ابن عباس أنه قال: العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ما كانوا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة، وذكر غيره عبد الله بن مسعود أيضا، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، وأبا [ ص: 273 ] سعيد رضي الله تعالى عنهم، واحتج أصحابنا بحديث البراء بن عازب قال: " كان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه، ثم لا يعود "، أخرجه أبو داود، والطحاوي من ثلاث طرق، وابن أبي شيبة في مصنفه، فإن قالوا في حديث البراء قال أبو داود : روى هذا الحديث هشيم، وخالد، وابن إدريس، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء ولم يذكروا: " ثم لا يعود ".

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي : لم يقل أحد في هذا ثم لا يعود غير شريك، وقال أبو عمر : تفرد به يزيد، ورواه عنه الحفاظ، فلم يذكر واحد منهم قوله: " ثم لا يعود ".

                                                                                                                                                                                  وقال البزار : لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين " ثم لا يعود "، وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين : ليس هو بصحيح الإسناد، وقال أحمد : هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به لا يذكر: "ثم لا يعود" ، فلما لقن أخذ يذكره فيه، وقال جماعة: إن يزيد كان يغير بأخرة، فصار يتلقن، قلنا: يعارض قول أبي داود قول ابن عدي في الكامل، رواه هشيم، وشريك، وجماعة معهما، عن يزيد بإسناده، وقالوا فيه: ثم لم يعد، فظهر أن شريكا لم ينفرد برواية هذه الزيادة، فسقط بذلك أيضا كلام الخطابي: لم يقل في هذا " ثم لا يعود " غير شريك .

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): يزيد ضعيف، وقد تفرد به؟ (قلت): لا نسلم ذلك؛ لأن عيسى بن عبد الرحمن رواه أيضا، عن ابن أبي ليلى، فكذلك أخرجه الطحاوي إشارة إلى أن يزيد قد توبع في هذا، وأما يزيد في نفسه فإنه ثقة، فقال العجلي : هو جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان : هو وإن تكلم فيه لتغيره فهو مقبول القول، عدل ثقة، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه، وقال ابن شاهين في كتاب الثقات: قال أحمد بن صالح : يزيد ثقة، ولا يعجبني قول من يتكلم فيه، وخرج حديثه ابن خزيمة في صحيحه.

                                                                                                                                                                                  وقال الساجي : صدوق، وكذا قال ابن حبان، وخرج مسلم حديثه، واستشهد به البخاري، فإذا كان كذلك جاز أن يحمل أمره على أنه حدث ببعض الحديث تارة، وبجملته أخرى، أو يكون قد نسي أولا، ثم تذكر، وقد أتقنا الكلام فيه في شرحنا للهداية، والذي يحتج به الخصم من الرفع محمول على أنه كان في ابتداء الإسلام، ثم نسخ، والدليل عليه: أن عبد الله بن الزبير رأى رجلا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، فقال له: لا تفعل؛ فإن هذا شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تركه .

                                                                                                                                                                                  ويؤيد النسخ: ما رواه الطحاوي بإسناد صحيح، حدثنا ابن أبي داود، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة ، قال الطحاوي : فهذا ابن عمر قد رأى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم يرفع، ثم ترك هو الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم - فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد كان رأى النبي صلى الله عليه وسلم - فعله.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح ، فقال الخصم: هذا حديث منكر؛ لأن طاوسا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما روى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم. من ذلك قلنا: يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رواه طاوس يفعله قبل أن تقوم الحجة عنده بنسخه، ثم قامت الحجة عنده بنسخه، فتركه وفعل ما ذكره عنه مجاهد، فإن احتج الخصم بحديث أبي حميد الساعدي، فجوابه أن أبا داود قد أخرجه من وجوه كثيرة: أحدها عن أحمد بن حنبل، وليس فيه ذكر رفع اليدين عند الركوع، والطريق الذي فيه ذلك فهو عن عبد الحميد بن جعفر، فهو ضعيف، قالوا: إنه مطعون في حديثه، فكيف يحتجون به على الخصم؟

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): هو من رجال مسلم؟ (قلت): لا يلزم من ذلك أن لا يكون ضعيفا عند غيره، ولئن سلمنا ذلك فالحديث معلول بجهة أخرى، وهو أن محمد بن عمر، وابن عطاء لم يسمعا هذا الحديث من أبي حميد، ولا ممن ذكر معه في هذا الحديث مثل أبي قتادة وغيره، فإنه توفي في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانت خلافته في سنة خمس وعشرين ومائة، ولهذا قال ابن حزم : ولعل عبد الحميد بن جعفر وهم فيه، يعني في روايته عن محمد بن عمر، وابن عطاء، فإن قال الخصم: قال البيهقي في المعرفة: حكم البخاري في تاريخه بأنه سمع أبا حميد . قلنا: القائل بأنه لم يسمع من أبي حميد هو الشعبي، وهو حجة في هذا الباب.

                                                                                                                                                                                  وإن احتج الخصم بحديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن ماجه قال: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد ". فجوابه أنه من طريق إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، وهم لا يجعلون إسماعيل فيما يروي عن غير الشاميين حجة، فكيف يحتجون بما لو احتج بمثله عليهم لم يسوغوه إياه؟ وقال النسائي : إسماعيل ضعيف.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 274 ] وقال ابن حبان : كثير الخطإ في حديثه، فخرج عن حد الاحتجاج به، وقال ابن خزيمة : لا يحتج به.

                                                                                                                                                                                  فإن احتج الخصم بحديث وائل بن حجر قال: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حين يكبر للصلاة، وحين يركع، وحين يرفع رأسه من الركوع، يرفع يديه حيال أذنيه "، أخرجه أبو داود، والنسائي . فجوابه أنه ضاده ما رواه إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لم يكن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ما ذكر من رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام ، فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأفهم بأفعاله من وائل، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يليه المهاجرون؛ ليحفظوا عنه، وكان عبد الله كثير الولوج على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووائل بن حجر أسلم في المدينة في سنة تسع من الهجرة، وبين إسلاميهما اثنتان وعشرون سنة، ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين قال: إن وائلا حدث أنه: " رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع "، إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك.

                                                                                                                                                                                  فإن (قلت): خبر إبراهيم غير متصل؛ لأنه لم يدرك عبد الله لأنه مات سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة. وقيل: بالكوفة، ومولد إبراهيم سنة خمسين كما صرح به ابن حبان .

                                                                                                                                                                                  (قلت): عادة إبراهيم إذا أرسل حديثا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه، وبعد تكاثر الروايات عنه، ولا شك أن خبر الجماعة أقوى من خبر الواحد وأولى.

                                                                                                                                                                                  فإن احتج الخصم بحديث علي رضي الله تعالى عنه، أخرجه الأربعة، وفيه رفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته إذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا ركع ورفع من الركوع . فجوابه أنه روي عنه أيضا ما ينافيه ويعارضه، فإن عاصم بن كليب روى عن أبيه أن عليا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يرفع بعد ، رواه الطحاوي، وأبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، ولا يجوز لعلي أن يرى ذلك من النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ثم يترك هو ذلك إلا وقد ثبت نسخ الرفع في غير تكبيرة الإحرام، وإسناد حديث عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم.

                                                                                                                                                                                  الوجه الخامس: فيه: أنه صلى الله عليه وسلم - قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وبه استدل الشافعي أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وقد مضى الكلام فيه مستوفى عن قريب.

                                                                                                                                                                                  الوجه السادس: فيه: أنه لا يرفع يديه في ابتداء السجود، ولا في الرفع منه، كما صرح به فيما يأتي، وبه قال أكثر الفقهاء، وخالف فيه بعضهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية