الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العتق على جعل بالضم ويفتح : المال

( أعتق عبده على مال ) [ ص: 675 ] صحيح معلوم الجنس والقدر ( فقبل العبد ) كل المال ( في المجلس ) يعم مجلس علمه لو غائبا ( عتق ) وإن لم يؤد ; لأنه معلق على القبول لا الأداء ; حتى لو رد أو أعرض بطل ( و ) أما ( لو علقه بأدائه ) كإن أديت فأنت حر ( صار مأذونا ) له دلالة ، وهل يصح حجره ؟ تردد فيه في البحر [ ص: 676 ] ( لا مكاتبا ) ; لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء ، وهو يخالف المكاتب في عشرين مسألة ذكر منها تسعة فقال ( فلا يتوقف ) عتقه ( على قبوله ولا يبطل برده ، وللمولى بيعه قبل وجود شرطه وهو الأداء ) ولو باعه ثم اشتراه هل يجب قبول ما يأتي به ؟ خلاف ( وعتق بالتخلية ) بحيث لو مد يده للمال أخذه .

التالي السابق


باب العتق على جعل

أخره ; لأن الأصل عدمه ( قوله بالضم إلخ ) قال في البحر : والجعل في اللغة بضم الجيم : ما يجعل للعامل على عمله ، ثم سمي به ما يعطى المجاهد ليستعين به على جهاده ، أو جعلت له : أعطيته له : والجعائل جمع جعيلة أو جعالة بالحركات بمعنى الجعل ، كذا في المغرب ، وقوله بالحركات : أي حركات الفاء في جعالة أي الضم والفتح والكسر ، وقد اقتصر في العناية تبعا للجوهري على الكسر . واعترضه في النهر : بأن المذكور في ديوان الأدب وغيره الفتح ثم ذكر ما في المغرب ; فعلم أن الضم ضعيف وأن الأشهر الكسر والفتح ، وهذا في الجعالة . وأما في الجعل فلم نر من ذكر غير الضم ، فقولالشارح : ويفتح يحتاج إلى نقل . وعبارته في شرح الملتقى أحسن حيث قال : والجعل بالضم ما جعل للإنسان من شيء على فعل ، وكذا الجعالة بالكسر والفتح ( قوله المال ) أي المراد به هنا المال المجعول شرطا لعتقه نهر ( قوله أعتق عبده على مال ) مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف [ ص: 675 ] درهم ، أو على أن تعطيني ألفا ، أو على أن تؤدي إلي ألفا ، أو على أن تجيئني بألف ، أو على أن لي عليك ألفا أو على ألف تؤديها إلي ، أوقال بعتك نفسك منك على كذا أو وهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا ح عن البحر .

( قوله صحيح معلوم الجنس والقدر ) هذه شروط لصحة التسمية لا لنفاذ العتق في هذه المسألة ; لأن نفاذه موقوف على القبول وإن لم تصح التسمية ، وفسادها موجب لقيمة العبد ، احترز بصحيح عن الخمر في حق المسلم : قال في البحر : وشمل إطلاق المال الخمر في حق الذمي فإنها مال عندهم ; فلو أعتق الذمي عبده على خمر أو خنزير فإنه يعتق بالقبول ويلزمه قيمة المسمى ، فإن أسلم أحدهما قبل قبض الخمر ; فعندهما على العبد قيمته ، وعند محمد عليه قيمة الخمر كذا في المحيط . ا هـ . وقوله معلوم إلخ قال في البدائع : وإن كان المسمى معلوم الجنس والنوع والصفة كالمكيل والموزون فعليه المسمى ، وإن كان معلوم الجنس والنوع مجهول الصفة كالثياب الهروية والحيوان من الفرس والعبد والجارية فعليه الوسط منه ، وإذا جاء بالقيمة يجبر المولى على القبول .

وإن كان مجهول الجنس كالثوب والدابة والدار فعليه قيمة نفسه ; لأن الجهالة متفاحشة ففسدت التسمية . ا هـ . وفي النهر : وإن لم يعلم الجنس كثوب وحيوان عتق بالقبول ولزمه قيمة رقبته . ا هـ فقد ثبت ما قلنا من أن هذه شروط لصحة التسمية لا لنفاذ العتق هنا . وأما ما نقله ح عن النهر من أنه إذا لم يكن معلوما كدراهم أو كان مجهول الجنس كثوب أو غير صحيح ككذا من الخمر لم يجبر على القبول ، ففيه أن هذا ذكره في النهر في المسألة الآتية وهي تعليق عتقه بأدائه ، ففيها لا يعتق إلا بالأداء ، ويجبر المولى على قبول المؤدى إلا إذا كان مجهولا أو غير صحيح فلا يجبر على قبوله ، وهذا لا يتأتى في مسألتنا ; لأن الشرط فيها قبول العبد العتق على المال ، فإذا قبل عتق بالقبول ، ثم إذا كان المال صحيحا معلوما لزمه لصحة التسمية وإلا لزمه قيمة نفسه كما قلنا فافهم .

( قوله فقبل العبد ) شرط قبوله ; لأنه معاوضة من جانبه ، ولذا ملك الرجوع لو ابتداء وبطل بقيامه قبل قبول المولى وبقيام المولى وإن كان تعليقا من جانب المولى ، ولذا لم يصح رجوعه عنه ولم يبطل بقيامه عن المجلس نهر ( قوله كل المال ) فلو قبل في النصف لم يجز عند الإمام لما فيه من الإضرار بالمولى وقالا : يجوز ويعتق كله بالكل بناء على تجزؤ الإعتاق وعدمه نهر ( قوله يعم مجلس علمه لو غائبا ) فإن قبل فيه صح وإلا بطل ، أما الحاضر يعتبر فيه مجلس الإيجاب ( قوله ; لأنه ) أي العتق المفهوم من عتق معلق على القبول : أي قبول العبد العتق ; لأنه معاوضة من جانبه كما علمت .

( قوله حتى لو رد إلخ ) تفريع على التعليل ط ( قوله أو أعرض ) بأن قام من مجلسه أو اشتغل بعمل آخر يعلم منه أنه قاطع لما قبله بحر ( قوله فأنت حر ) أتى بالفاء في الجواب ; لأنه لو لم يأت بها أو أتى بالواو تنجز لكونه ابتداء لا جوابا لعدم الرابط بحر وفيه كلام قدمناه في تعليق الطلاق ( قوله صار مأذونا ) لم يشرط قبوله هنا : أي فيما إذا علق عتقه بأدائه إذ لا يحتاج إليه . ولا يبطل بالرد كما في التبيين ، بخلاف المسألة السابقة ، وهي ما إذا قال له : أنت حر على ألف شرنبلالية ( قوله دلالة ) لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه ومراده التجارة لا التكدي ، فكان إذنا له دلالة درر .

( قوله تردد فيه في البحر ) حيث قال : ولم أر صريحا أنه لو حجر على هذا العبد المأذون هل يصح حجره . وقد يقال إنه لا يصح ; لأن الإذن له ضروري لصحة التعليل بأداء المال . وقد يقال : إنه يصح لما أنه يملك بيعه [ ص: 676 ] فيملك حجره بالأولى . ا هـ . واستظهر السائحاني الأول والأظهر الثاني ; لأن له أيضا أخذ ما ظفر به من كسب العبد فليتأمل ( قوله ; لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء ) أما الكتابة فهي صريحة في عقد المعاوضة ، نعم هو تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة نظرا إلى المقصود ، لكن لما لم يكن المال لازما على العبد تأخر اعتبار المعاوضة إلى وقت أدائه إياه ، ولما تأخر إلى ذلك لم يثبت من أحكام المعاوضة إلا ما هو بعد الأداء ، وهو ما إذا وجد السيد بعض المؤدى زيوفا له أن يرجع بالجياد وتقديم ملك العبد لما أداه وإنزاله قابضا إذا أتاه به . وأما فيما قبل الأداء فالمعتبر جهة التعليق فكثرت آثاره ، فلذا خالف المعاوضة التي هي الكتابة في صور كثيرة . ا هـ ملخصا من الفتح .

( قوله فلا يتوقف عتقه على قبوله ) فإذا أدى بعد قول المولى إن أديت إلخ عتق ، ويشترط القبول في الكتابة كما في الوقاية ط ( قوله ولا يبطل برده ) أي ولو صريحا كقوله لا أرضى ( قوله قبل وجود شرطه ) أي شرط العتق ( قوله خلاف ) فعند أبي يوسف يجب ، وعند محمد لا ، ولكن لو قبضه عتق ، بخلاف الكتابة فإنه لا خلاف في أنه يجب أن يقبله ويعد قابضا بحر . واختار في الفتح الأول وبين وجهه ، ثم إن هذه مسألة رابعة . قال ط : ولا يظهر كون هذه المسألة من مسائل الخلاف وإن عدها في البحر والنهر منها ; لأن المكاتب لا يباع ( قوله وعتق بالتخلية ) التخلية : رفع الموانع ، بأن يضع المال بين يدي المولى بحيث لو مد يده أخذه ، فحينئذ يحكم القاضي بأنه قبضه ، وكذا في ثمن المبيع وبدل الإجارة وسائر الحقوق ، وهذا معنى قولهم أجبره الحاكم على قبضه : أي حكم به لا أنه يجبره عليه بحبس ونحوه .

وإنما ذكر التخلية ليفيد أنه يعتق بحقيقة القبض بالأولى بحر . قال في الفتح : وهذا إذا كان العوض صحيحا ، أما لو كان خمرا أو مجهولا جهالة فاحشة كما لو قال إن أديت إلي خمرا أو ثوبا فأنت حر فأدى ذلك لا يجبر على قبولهما : أي لا ينزل قابضا إلا إن أخذه مختارا . وحاصله أن العتق بالتخلية إنما يثبت لو العوض صحيحا معلوما وإلا فلا يثبت إلا بحقيقة القبض وهذا معنى ما نقله ح عن النهر في المسألة الأولى ، ومحل ذكره هنا كما نبهنا عليه . [ تنبيه ]

العتق بالتخلية لا يخص العتق المعلق فإن الكتابة كذلك ، فلا وجه لعد ذلك من مسائل المخالفة كما أفاده ح ولذا لم يعدها منها في البحر وغيره ، نعم ذكر في الفتح أنه عند زفر لا يعتق بالتخلية ، وعليه تظهر المخالفة بينه وبين الكتابة .




الخدمات العلمية