الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2018 2019 2020 2021 2022 ص: وقد روي ذلك عن جماعة من أصحاب النبي - عليه السلام -:

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا وهب بن جرير ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي جمرة قال: "سألت ابن عباس عن الوتر فقال: إذا أوترت أول الليل فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوله. قال: وسألت عائذ بن عمرو فقال مثله".

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا أبو عامر العقدي ، قال: ثنا شعبة ، عن قتادة ومالك بن دينار ، أنهما سمعا خلاسا ، قال: "سمعت عمار بن ياسر - رضي الله عنه - وسأله رجل عن الوتر فقال: أما أنا فأوتر ثم أنام، فإن قمت صليت ركعتين".

                                                وهذا عندنا معنى حديث همام، ، عن قتادة ، الذي ذكرناه في الفصل الأول، كان في ذلك: "إذا قمت شفعت"، فاحتمل ذلك أن يكون يشفع بركعة كما كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يفعل.

                                                ويحتمل أن يكون يصلي شفعا، . ففي حديث شعبة قد بين أن معنى قوله: "شفعت" أي صليت شفعا شفعا ، ولم أنقض الوتر.

                                                [ ص: 425 ] حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد ابن جبير قال: " ذكر عند عائشة - رضي الله عنها - نقض الوتر، ، فقالت: لا وتران في ليلة". " .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا عبد الله بن حمران ، قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عمر بن الحكم ، أن أبا هريرة قال: "لو جئت بثلاثة أبعرة فأنختها، ثم جئت ببعيرين فأنختهما، أليس كان يكون ذلك وترا؟ ؟ " ، قال: وكان يضرب ذلك مثلا لنقض الوتر".

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: وهذا عندنا كلام صحيح، ومعناه: أن ما صليت بعد الوتر من الإشفاع فهو مع الوتر الذي أوترته وترا". حدثنا يونس ، قال: ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن زيد بن أسلم ، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب: " أنه سأل أبا هريرة: كيف كان النبي - عليه السلام - يوتر؟ فقال: إن شئت أخبرتك كيف أصنع أنا؟ قلت: أخبرني. قال: إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات، ثم أنام، فإن قمت من الليل صليت مثنى مثنى، فإن أصبحت أصبحت على وتر".

                                                فهذا ابن عباس: وعائذ بن عمرو ، وعمار ، وأبو هريرة وعائشة - رضي الله عنهم - لا يرون التطوع بعد الوتر ، ينقض الوتر، فهذا أولى عندنا مما روي عمن خالفهم; إذ كان ذلك موافقا لما روي عن النبي - عليه السلام - من فعله وقوله، والذي روى عن الآخرين أيضا فليس له أصل في النظر; لأنهم إذا كانوا أرادوا أن يتطوعوا صلوا ركعة فيشفعون بها وترا متقدما قد قطعوا فيما بينه وبين ما شفعوا به بكلام وعمل ونوم، وهذا لا أصل له في الإجماع فيعطف عليه هذا الاختلاف، فلما كان ذلك كذلك وقد خالفه من أصحاب النبي - عليه السلام - من ذكرنا، وروي عن النبي - عليه السلام - أيضا خلافه; انتفى ذلك ولم يجز العمل به.

                                                وهذا القول الذي بينا هو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي نفي إعادة الوتر وتكراره عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، وهم: ابن عباس وعائذ بن عمرو ، وعمار ، وأبو هريرة، وعائشة - رضي الله عنهم -.

                                                [ ص: 426 ] أما أثر ابن عباس وعائذ بن عمرو فأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة ، عن أبي جمرة -بالجيم- واسمه نصر بن عمران بن عاصم، وثقه ابن معين وابن حبان .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن أبي جمرة، عن ابن عباس وعائذ بن عمرو قالا: "إذا أوترت أول الليل فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوله".

                                                قوله: "وسألت عائذ بن عمرو" السائل هو أبو جمرة ، وعائذ بن عمرو بن هلال المزني أبو هبيرة البصري، شهد بيعة الرضوان مع رسول الله - عليه السلام -.

                                                وأما أثر عمار - رضي الله عنه - فأخرجه أيضا بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، عن شعبة ، عن قتادة ، ومالك بن دينار البصري الزاهد المشهور، كلاهما عن خلاس بن عمرو الهجري ، عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا وكيع، قال: ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو الهجري ، عن عمار قال: "أما أنا فأوتر، فإذا قمت صليت مثنى مثنى؟ وتري الأول كما هو".

                                                قوله: "وهذا عندنا" أي معنى هذا الحديث الذي رواه شعبة ، عن قتادة ، عن خلاس معنى الحديث الذي رواه همام بن يحيى ، عن قتادة عن خلاس المذكور في الفصل الأول في هذا الباب، وهو قوله: حدثنا محمد بن بحر، قال: ثنا يزيد هارون، قال: أنا همام ، عن قتادة ومالك بن دينار ، عن خلاس قال: "كنت جالسا عند عمار - رضي الله عنه - فأتاه رجل فقال له: كيف توتر؟ قال: أترضى بما أصنع؟ قال: نعم. قال: -أحسب قتادة قال في حديثه-: فإني أوتر بليل خمس ركعات ثم أرقد، فإذا قمت من الليل شفعت".

                                                [ ص: 427 ] ويحتمل هذا أن يكون يشفع بركعة كما كان عبد الله بن عمر يفعل; فإنه روي عنه أنه قال: "من أوتر فبدا له أن يصلي، فليشفع إليها بأخرى حتى يوتر بعد"، ويحتمل أن يكون يصلي شفعا، ويؤيد هذا الاحتمال حديث شعبة عن قتادة ، عن خلاس; لأنه يبين أن معنى قوله: "فإذا قمت من الليل شفعت" أي صليت شفعا شفعا ولم أنقض الوتر; وذلك لأن شعبة صرح في حديثه: "فإن قمت صليت ركعتين ركعتين".

                                                وأما أثر عائشة - رضي الله عنها -: فأخرجه بإسناد صحيح أيضا: عن أبي بكرة بكار ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية اليشكري ، عن سعيد بن جبير ... إلى آخره.

                                                وأما أثر أبي هريرة - رضي الله عنه -: فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن عبد الله بن حمران بن عبد الله بن حمران بن أبان القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان، روى له مسلم وأبو داود .

                                                عن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني روى له الجماعة، البخاري مستشهدا.

                                                عن عمران بن أبي أنس المصري العامري روى له مسلم والأربعة، عن عمر بن الحكم بن رافع الأنصاري أبي حفص المدني روى له البخاري مستشهدا، والباقون سوى ابن ماجه ، عن أبي هريرة .

                                                قوله: "أبعرة" جمع بعير، ويجمع أيضا على أباعر وأباعير وبعران وبعران، والبعير: الجمل البازل، وقيل: الجذع، وقد يكون الأنثى، وحكي عن بعض العرب: شربت من لبن بعيري، وصرعتني بعير لي.

                                                وفي "الجامع": البعير بمنزلة الإنسان، يجمع المذكر والمؤنث من الناس، إذا رأيت جملا على البعد قلت: هذا بعير، وإذا استثبته قلت: جمل أو ناقة.

                                                [ ص: 428 ] والثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي مرة واسمه يزيد مولى عقيل بن أبي طالب ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه البيهقي أيضا : من حديث مالك -رحمه الله-.

                                                قوله: "إذ كان" كلمة "إذ" للتعليل.

                                                قوله: "من فعله" وهو ما روي من حديث عائشة أنه صلى الركعتين بعد الوتر.

                                                قوله: "من قوله" وهو قوله: "لا وتران في ليلة".

                                                قوله: "والذي روي عن الآخرين" مبتدأ، وخبره قوله: "فليس له أصل في النظر" أي في القياس.

                                                قوله: "فيعطف عليه" بنصب الفاء، وتقديره: فإن يعطف.

                                                قوله: "انتفى" جواب قوله: "فلما كان ذلك كذلك" والباقي ظاهر، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية