الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا يدل على تأكيد حق الوالدين ووجوب الإحسان إليهما كافرين كانا أو مؤمنين ؛ لأنه قرنه إلى الأمر بعبادته تعالى وقوله : وذي القربى يدل على وجوب صلة الرحم والإحسان إلى اليتامى والمساكين . وقولوا للناس حسنا روي عن أبي جعفر محمد بن علي : " وقولوا للناس حسنا كلهم " ، قال أبو بكر : وهذا يدل على أنهم كانوا متعبدين بذلك في المسلم والكافر وقد قيل : إن ذلك على معنى قوله تعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن والإحسان المذكور في الآية إنما هو الدعاء إليه والنصح فيه لكل أحد وروي عن ابن عباس وقتادة أنها منسوخة بالأمر بالقتال .

وقد قال تعالى : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وقد أمر الله تعالى بلعن الكفار والبراءة منهم والإنكار على أهل المعاصي ، وهذا مما لا يختلف فيه شرائع الأنبياء عليهم السلام ، فدل ذلك على أن المأمور به من القول الحسن أحد وجهين : إما أن يكون خاصا في المسلمين ومن لا يستحق اللعن والنكير ، وإن كان عاما فهو الدعاء إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك كله حسن وأخبرنا الله تعالى أنه كان أخذ الميثاق على بني إسرائيل بما ذكر ، والميثاق هو العقد المؤكد إما بوعيد أو بيمين ، وهو نحو أمر الله الصحابة بمبايعة النبي عليه السلام على [ ص: 48 ] شرائطها المذكورة وقوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم يحتمل وجهين :

أحدهما : أن لا يقتل بعضكم بعضا كقوله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم وكذلك إخراجهم من ديارهم ، وكقوله : وقاتلوا وقتلوا

والآخر : أن لا يقتل كل واحد نفسه ، إما بأن يباشر ذلك كما يفعله الهند وكثير ممن يغلب عليه اليأس من الخلاص من شدة هو فيها ، أو بأن يقتل غيره فيقتل به فيكون في معنى قتل نفسه واحتمال اللفظين المعنيين يوجب أن يكون عليهما جميعا وهذا الذي أخبر الله به من حكم شريعة التوراة مما كان يكتمه اليهود لما عليهم في ذلك الوكس ويلزمهم في ذلك من الذم ، فأطلع الله نبيه عليه وجعله دلالة وحجة عليهم في جحدهم نبوته ؛ إذ لم يكن عليه السلام ممن قرأ الكتب ولا عرف ما فيها إلا بإعلام الله تعالى إياه ، وكذلك جميع ما حكى الله بعد هذه الآية عنهم من قوله : وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا وسائر ما ذمهم هو توقيف منه له على ما كانوا يكتمون وتقريع لهم على ظلمهم وكفرهم وإظهار قبائحهم ، وجميعه دلالة على نبوته عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية