القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ( 10 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) حين أوى الفتية
أصحاب الكهف إلى كهف الجبل ، هربا بدينهم إلى الله ، فقالوا إذ أووه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10ربنا آتنا من لدنك رحمة ) رغبة منهم إلى ربهم ، في أن يرزقهم من عنده رحمة ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10وهيئ لنا من أمرنا رشدا )
[ ص: 605 ] يقول : وقالوا : يسر لنا بما نبتغي وما نلتمس من رضاك والهرب من الكفر بك ، ومن عبادة الأوثان التي يدعونا إليها قومنا ، ( رشدا ) يقول : سدادا إلى العمل بالذي تحب .
وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية إلى الكهف الذي ذكره الله في كتابه ، فقال بعضهم : كان سبب ذلك ، أنهم كانوا مسلمين على دين
عيسى ، وكان لهم ملك عابد وثن ، دعاهم إلى عبادة الأصنام ، فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم ، أو يقتلهم ، فاستخفوا منه في الكهف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
الحكم بن بشير ، قال : ثنا
عمرو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=32007_28989أصحاب الكهف والرقيم ) كانت الفتية على دين
عيسى على الإسلام ، وكان ملكهم كافرا ، وقد أخرج لهم صنما ، فأبوا ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) قال : فاعتزلوا عن قومهم لعبادة الله ، فقال أحدهم : إنه كان لأبي كهف يأوي فيه غنمه ، فانطلقوا بنا نكن فيه ، فدخلوه ، وفقدوا في ذلك الزمان فطلبوا ، فقيل : دخلوا هذا الكهف ، فقال قومهم : لا نريد لهم عقوبة ولا عذابا أشد من أن نردم عليهم هذا الكهف ، فبنوه عليهم ثم ردموه ، ثم إن الله بعث عليهم ملكا على دين
عيسى ، ورفع ذلك البناء الذي كان ردم عليهم ، فقال بعضهم لبعض : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19كم لبثتم ) ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) حتى بلغ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ) وكان ورق ذلك الزمان كبارا ، فأرسلوا أحدهم يأتيهم بطعام وشراب ، فلما ذهب ليخرج ، رأى على باب الكهف شيئا أنكره ، فأراد أن يرجع ، ثم مضى حتى دخل المدينة ، فأنكر ما رأى ، ثم أخرج درهما ، فنظروا إليه فأنكروه ، وأنكروا الدرهم ، وقالوا : من أين لك هذا ، هذا من ورق غير هذا الزمان ، واجتمعوا عليه يسألونه ، فلم يزالوا به حتى انطلقوا به إلى ملكهم
[ ص: 606 ] ، وكان لقومهم لوح يكتبون فيه ما يكون ، فنظروا في ذلك اللوح ، وسأله الملك ، فأخبره بأمره ، ونظروا في الكتاب متى فقد ، فاستبشروا به وبأصحابه ، وقيل له : انطلق بنا فأرنا أصحابك ، فانطلق وانطلقوا معه ، ليريهم ، فدخل قبل القوم ، فضرب على آذانهم ، فقال الذين غلبوا على أمرهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=21لنتخذن عليهم مسجدا ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : مرج أمر
أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك ، حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت ، وفيهم على ذلك بقايا على أمر
عيسى ابن مريم ، متمسكون بعبادة الله وتوحيده ، فكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ، ملك من
الروم يقال له :
دقينوس ، كان قد عبد الأصنام ، وذبح للطواغيت ، وقتل من خالفه في ذلك ممن أقام على دين
عيسى ابن مريم ، كان ينزل في قرى
الروم ، فلا يترك في قرية ينزلها أحدا ممن يدين بدين
عيسى ابن مريم إلا قتله ، حتى يعبد الأصنام ، ويذبح للطواغيت ، حتى نزل
دقينوس مدينة الفتية
أصحاب الكهف ، فلما نزلها
دقينوس كبر ذلك على أهل الإيمان ، فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه . وكان
دقينوس قد أمر حين قدمها أن يتبع أهل الإيمان فيجمعوا له ، واتخذ شرطا من الكفار من أهلها ، فجعلوا يتبعون أهل الإيمان في أماكنهم التي يستخفون فيها ، فيستخرجونهم إلى
دقينوس ، فقدمهم إلى المجامع التي يذبح فيها للطواغيت فيخيرهم بين القتل ، وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت ، فمنهم من يرغب في الحياة ويفظع بالقتل فيفتتن . ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل ، فلما رأى ذلك أهل الصلابة من أهل الإيمان بالله ، جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل ، فيقتلون ويقطعون ، ثم يربط ما قطع من أجسادهم ، فيعلق على سور المدينة من نواحيها كلها ، وعلى كل باب من أبوابها ، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان ، فمنهم من كفر فترك ، ومنهم من صلب على دينه فقتل ، فلما رأى ذلك الفتية
أصحاب الكهف ، حزنوا حزنا شديدا ، حتى تغيرت ألوانهم ،
[ ص: 607 ] ونحلت أجسامهم ، واستعانوا بالصلاة والصيام والصدقة ، والتحميد ، والتسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، والبكاء ، والتضرع إلى الله ، وكانوا فتية أحداثا أحرارا من أبناء أشراف
الروم .
فحدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة أسنانه وضح الورق ، قال
ابن عباس : فكانوا كذلك في عبادة الله ليلهم ونهارهم ، يبكون إلى الله ، ويستغيثونه ، وكانوا
nindex.php?page=treesubj&link=32007ثمانية نفر :
مكسلمينا ، وكان أكبرهم ، وهو الذي كلم الملك عنهم ،
ومحسيميلنينا ، ويمليخا ، ومرطوس ، وكشوطوش ، وبيرونس ، ودينموس ، ويطونس قالوس فلما أجمع
دقينوس أن يجمع أهل القرية لعبادة الأصنام ، والذبح للطواغيت ، بكوا إلى الله وتضرعوا إليه ، وجعلوا يقولون : اللهم رب السماوات والأرض ، لن ندعو من دونك إلها (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لقد قلنا إذا شططا ) اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وادفع عنهم البلاء وأنعم على عبادك الذين آمنوا بك ، ومنعوا عبادتك إلا سرا ، مستخفين بذلك ، حتى يعبدوك علانية ، فبينما هم على ذلك ، عرفهم عرفاؤهم من الكفار ، ممن كان يجمع أهل المدينة لعبادة الأصنام ، والذبح للطواغيت ، وذكروا أمرهم ، وكانوا قد خلوا في مصلى لهم يعبدون الله فيه ، ويتضرعون إليه ، ويتوقعون أن يذكروا
لدقينوس ، فانطلق أولئك الكفرة حتى دخلوا عليهم مصلاهم ، فوجدوهم سجودا على وجوههم يتضرعون ، ويبكون ، ويرغبون إلى الله أن ينجيهم من دقينوس وفتنته ، فلما رآهم أولئك الكفرة من عرفائهم قالوا لهم : ما خلفكم عن أمر الملك؟ انطلقوا إليه! ثم خرجوا من عندهم ، فرفعوا أمرهم إلى
دقينوس ، وقالوا : تجمع الناس للذبح لآلهتك ، وهؤلاء فتية من أهل بيتك ، يسخرون منك ، ويستهزئون بك ، ويعصون أمرك ، ويتركون آلهتك ، يعمدون إلى مصلى لهم ولأصحاب
عيسى ابن مريم يصلون فيه ، ويتضرعون إلى إلههم وإله
عيسى وأصحاب
عيسى ، فلم تتركهم يصنعون هذا وهم بين ظهراني
[ ص: 608 ] سلطانك وملكك ، وهم ثمانية نفر : رئيسهم
مكسلمينا ، وهم أبناء عظماء المدينة؟ فلما قالوا ذلك
لدقينوس ، بعث إليهم ، فأتي بهم من المصلى الذي كانوا فيه تفيض أعينهم من الدموع معفرة وجوههم في التراب ، فقال لهم : ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض ، وأن تجعلوا أنفسكم أسوة لسراة أهل مدينتكم ، ولمن حضر منا من الناس؟ اختاروا مني : إما أن تذبحوا لآلهتنا كما ذبح الناس ، وإما أن أقتلكم! فقال
مكسلمينا : إن لنا إلها نعبده ملأ السماوات والأرض عظمته ، لن ندعو من دونه إلها أبدا ، ولن نقر بهذا الذي تدعونا إليه أبدا ، ولكنا نعبد الله ربنا ، له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا أبدا ، إياه نعبد ، وإياه نسأل النجاة والخير . فأما الطواغيت وعبادتها ، فلن نقر بها أبدا ، ولسنا بكائنين عبادا للشياطين ، ولا جاعلي أنفسنا وأجسادنا عبادا لها ، بعد إذ هدانا الله له رهبتك ، أو فرقا من عبودتك ، اصنع بنا ما بدا لك ، ثم قال أصحاب
مكسلمينا لدقينوس مثل ما قال ، قال : فلما قالوا ذلك له ، أمر بهم فنزع عنهم لبوس كان عليهم من لبوس عظمائهم ، ثم قال : أما إذ فعلتم ما فعلتم فإني سأؤخركم أن تكونوا من أهل مملكتي وبطانتي ، وأهل بلادي ، وسأفرغ لكم ، فأنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة ، وما يمنعني أن أعجل ذلك لكم إلا أني أراكم فتيانا حديثة أسنانكم ، ولا أحب أن أهلككم حتى أستأني بكم ، وأنا جاعل لكم أجلا تذكرون فيه ، وتراجعون عقولكم ، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة ، فنزعت عنهم ، ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده ، وانطلق
دقينوس مكانه إلى مدينة سوى مدينتهم التي هم بها قريبا منها لبعض ما يريد من أمره .
فلما رأى الفتية
دقينوس قد خرج من مدينتهم بادروا قدومه ، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكر بهم ، فأتمروا بينهم أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه ، فيتصدقوا منها ، ويتزودوا بما بقي ، ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له :
بنجلوس فيمكثوا فيه ، ويعبدوا الله حتى إذا رجع
دقينوس أتوه فقاموا بين يديه ، فيصنع بهم ما شاء ، فلما قال ذلك بعضهم لبعض ، عمد كل فتى منهم ، فأخذ من بيت أبيه نفقة ، فتصدق منها ، وانطلقوا بما بقي معهم من نفقتهم ، واتبعهم كلب لهم ، حتى أتوا ذلك الكهف ، الذي في ذلك الجبل ، فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ، ابتغاء
[ ص: 609 ] وجه الله تعالى ، والحياة التي لا تنقطع ، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له يمليخا ، فكان على طعامهم ، يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا من أهلها ، وذلك أنه كان من أجملهم وأجلدهم ، فكان يمليخا يصنع ذلك ، فإذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا ، ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها ، ثم يأخذ ورقه ، فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا ، ويتسمع ويتجسس لهم الخبر ، هل ذكر هو وأصحابه بشيء في ملإ المدينة ، ثم يرجع إلى أصحابه بطعامهم وشرابهم ، ويخبرهم بما سمع من أخبار الناس ، فلبثوا بذلك ما لبثوا ، ثم قدم
دقينوس الجبار المدينة التي منها خرج إلى مدينته ، وهي مدينة
أفموس ، فأمر عظماء أهلها ، فذبحوا للطواغيت ، ففزع في ذلك أهل الإيمان ، فتخبئوا في كل مخبأ ، وكان يمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم وشرابهم ببعض نفقتهم ، فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل ، فأخبرهم أن الجبار
دقينوس قد دخل المدينة ، وأنهم قد ذكروا وافتقدوا والتمسوا مع عظماء أهل المدينة ليذبحوا للطواغيت ، فلما أخبرهم بذلك ، فزعوا فزعا شديدا ، ووقعوا سجودا على وجوههم يدعون الله ، ويتضرعون إليه ، ويتعوذون به من الفتنة ، ثم إن
يمليخا قال لهم : يا إخوتاه ، ارفعوا رءوسكم ، فاطعموا من هذا الطعام الذي جئتكم به ، وتوكلوا على ربكم ، فرفعوا رءوسهم ، وأعينهم تفيض من الدمع حذرا وتخوفا على أنفسهم ، فطعموا منه ، وذلك مع غروب الشمس ، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ، ويذكر بعضهم بعضا على حزن منهم ، مشفقين مما أتاهم به صاحبهم من الخبر ، فبينا هم على ذلك ، إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عددا ، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف ، فأصابهم ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون ، مصدقون بالوعد ، ونفقتهم موضوعة عندهم ، فلما كان الغد فقدهم
دقينوس ، فالتمسهم فلم يجدهم ، فقال لعظماء أهل المدينة : لقد ساءني شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا ، لقد كانوا يظنون أن بي غضبا عليهم فيما صنعوا في أول شأنهم ، لجهلهم ما جهلوا من أمري ، ما كنت لأجهل عليهم في نفسي ، ولا أؤاخذ أحدا منهم بشيء إن هم تابوا وعبدوا آلهتي ، ولو فعلوا لتركتهم ، وما عاقبتهم بشيء سلف منهم ، فقال له عظماء أهل المدينة : ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مردة عصاة ، مقيمين على ظلمهم ومعصيتهم ، وقد كنت أجلتهم
[ ص: 610 ] أجلا وأخرتهم عن العقوبة التي أصبت بها غيرهم ، ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الأجل ، ولكنهم لم يتوبوا ولم ينزعوا ولم يندموا على ما فعلوا ، وكانوا منذ انطلقت يبذرون أموالهم بالمدينة ، فلما علموا بقدومك فروا فلم يروا بعد ، فإن أحببت أن تؤتى بهم ، فأرسل إلى آبائهم فامتحنهم ، واشدد عليهم يدلوك عليهم ، فإنهم مختبئون منك ، فلما قالوا ذلك لدقينوس الجبار ، غضب غضبا شديدا . ثم أرسل إلى آبائهم ، فأتي بهم فسألهم عنهم وقال : أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوا أمري ، وتركوا آلهتي ، ائتوني بهم ، وأنبئوني بمكانهم ، فقال له آباؤهم : أما نحن فلم نعص أمرك ولم نخالفك ، قد عبدنا آلهتك وذبحنا لهم ، فلم تقتلنا في قوم مردة ؟ قد ذهبوا بأموالنا فبذروها وأهلكوها في أسواق المدينة ، ثم انطلقوا ، فارتقوا في جبل يدعى
بنجلوس ، وبينه وبين المدينة أرض بعيدة هربا منك ، فلما قالوا ذلك خلى سبيلهم ، وجعل يأتمر ماذا يصنع بالفتية ، فألقى الله عز وجل في نفسه أن يأمر بالكهف فيسد عليهم كرامة من الله ، أراد أن يكرمهم ، ويكرم أجساد الفتية ، فلا يجول ، ولا يطوف بها شيء ، وأراد أن يحييهم ، ويجعلهم آية لأمة تستخلف من بعدهم ، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=30337الله يبعث من في القبور . فأمر
دقينوس بالكهف أن يسد عليهم ، وقال : دعوا هؤلاء الفتية المردة الذين تركوا آلهتي فليموتوا كما هم في الكهف عطشا وجوعا ، وليكن كهفهم الذي اختاروا لأنفسهم قبرا لهم ، ففعل بهم ذلك عدو الله ، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم ، وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم ، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف ، قد غشاه الله ما غشاهم ، يقلبون ذات اليمين وذات الشمال ، ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك
دقينوس يكتمان إيمانهما : اسم أحدهما
بيدروس ، واسم الآخر :
روناس ، فأتمرا أن يكتبا شأن الفتية أصحاب الكهف ، أنسابهم وأسماءهم وأسماء آبائهم ، وقصة خبرهم في لوحين من رصاص ، ثم يصنعا له تابوتا من نحاس ، ثم يجعلا اللوحين فيه ، ثم يكتبا عليه في فم الكهف بين ظهراني البنيان ، ويختما على التابوت بخاتمهما ، وقالا لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة ، فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم ، ففعلا ثم بنيا عليه في البنيان ، فبقي
دقينوس وقرنه الذين كانوا منهم ما شاء الله أن يبقوا ، ثم هلك
دقينوس والقرن الذي كانوا معه ،
[ ص: 611 ] وقرون بعده كثيرة ، وخلفت الخلوف بعد الخلوف .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عبد الله بن كثير ، عن
مجاهد ، قال : كان
أصحاب الكهف أبناء عظماء مدينتهم ، وأهل شرفهم ، فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد ، فقال رجل منهم هو أسنهم : إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أن أحدا يجده ، قالوا : ماذا تجد؟ قال : أجد في نفسي أن ربي رب السماوات والأرض ، وقالوا : نحن نجد ، فقاموا جميعا ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) فاجتمعوا أن يدخلوا الكهف ، وعلى مدينتهم إذ ذاك جبار يقال له
دقينوس ، فلبثوا في الكهف ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا رقدا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
عبد العزيز بن أبي رواد ، عن
عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : كان
أصحاب الكهف فتيانا ملوكا مطوقين مسورين ذوي ذوائب ، وكان معهم كلب صيدهم ، فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي وموكب ، وأخرجوا معهم آلهتم التي يعبدون ، وقذف الله في قلوب الفتية الإيمان فآمنوا ، وأخفى كل واحد منهم الإيمان عن صاحبه ، فقالوا في أنفسهم من غير أن يظهر إيمان بعضهم لبعض : نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب بجرمهم ، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة ، فجلس فيه ، ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده ، فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر منه ، فجاء حتى جلس إليه ، ثم خرج الآخرون ، فجاءوا حتى جلسوا إليهما ، فاجتمعوا ، فقال بعضهم : ما جمعكم؟ وقال آخر : بل ما جمعكم؟ وكل يكتم إيمانه من صاحبه مخافة على نفسه ، ثم قالوا : ليخرج منكم فتيان ، فيخلوا ، فيتواثقا أن لا يفشي واحد منهما على صاحبه ، ثم يفشي كل واحد منهما لصاحبه أمره ، فإنا نرجو أن نكون على أمر واحد ، فخرج فتيان منهم فتواثقا ، ثم تكلما ، فذكر كل واحد منهما أمره لصاحبه ، فأقبلا مستبشرين إلى أصحابهما قد اتفقا على أمر واحد ، فإذا هم جميعا على الإيمان ، وإذا كهف في الجبل قريب منهم ، فقال بعضهم لبعض : ائتوا إلى الكهف (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا )
[ ص: 612 ] فدخلوا الكهف ، ومعهم كلب صيدهم فناموا ، فجعله الله عليهم رقدة واحدة ، فناموا ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ، قال : وفقدهم قومهم فطلبوهم وبعثوا البرد ، فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم ، فلما لم يقدروا عليهم كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح : فلان ابن فلان ، وفلان ابن فلان أبناء ملوكنا ، فقدناهم في عيد كذا وكذا في شهر كذا وكذا في سنة كذا وكذا ، في مملكة فلان ابن فلان ، ورفعوا اللوح في الخزانة ، فمات ذلك الملك وغلب عليهم ملك مسلم مع المسلمين ، وجاء قرن بعد قرن ، فلبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا .
وقال آخرون : بل كان مصيرهم إلى الكهف هربا من طلب سلطان كان طلبهم بسبب دعوى جناية ادعى على صاحب لهم أنه جناها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، قال : أخبرني
إسماعيل بن شروس ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يقول : جاء حواري
عيسى ابن مريم إلى مدينة
أصحاب الكهف ، فأراد أن يدخلها ، فقيل له : إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له ، فكره أن يدخلها ، فأتى حماما ، فكان فيه قريبا من تلك المدينة ، فكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام ، ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة ودر عليه الرزق ، فجعل يعرض عليه الإسلام ، وجعل يسترسل إليه ، وعلقه فتية من أهل المدينة ، وجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة ، حتى آمنوا به وصدقوه ، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة ، وكان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لي لا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت ، فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة ، فدخل بها الحمام ، فعيره الحواري ، فقال : أنت ابن الملك ، وتدخل معك هذه النكداء ، فاستحيا ، فذهب فرجع مرة أخرى ، فقال له مثل ذلك ، فسبه وانتهره ولم يلتفت حتى دخل ودخلت معه المرأة ، فماتا في الحمام جميعا ، فأتي الملك ، فقيل له : قتل صاحب الحمام ابنك ، فالتمس ، فلم يقدر عليه هربا ، قال : من كان يصحبه؟ فسموا الفتية ، فالتمسوا ، فخرجوا من المدينة ، فمروا بصاحب لهم في زرع له ، وهو على مثل
[ ص: 613 ] أمرهم ، فذكروا أنهم التمسوا ، فانطلق معهم الكلب ، حتى أواهم الليل إلى الكهف ، فدخلوه ، فقالوا : نبيت هاهنا الليلة ، ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم ، فضرب على آذانهم ، فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف ، فكلما أراد رجل أن يدخل أرعب ، فلم يطق أحد أن يدخله ، فقال قائل : أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ قال : بلى ، قال : فابن عليهم باب الكهف ، ودعهم فيه يموتوا عطشا وجوعا ، ففعل .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ( 10 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) حِينَ أَوَى الْفِتْيَةُ
أَصْحَابُ الْكَهْفِ إِلَى كَهْفِ الْجَبَلِ ، هَرَبًا بِدِينِهِمْ إِلَى اللَّهِ ، فَقَالُوا إِذْ أَوَوْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) رَغْبَةً مِنْهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ ، فِي أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ رَحْمَةً ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا )
[ ص: 605 ] يَقُولُ : وَقَالُوا : يَسِّرْ لَنَا بِمَا نَبْتَغِي وَمَا نَلْتَمِسُ مِنْ رِضَاكَ وَالْهَرَبِ مِنَ الْكُفْرِ بِكَ ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ الَّتِي يَدْعُونَا إِلَيْهَا قَوْمُنَا ، ( رَشَدًا ) يَقُولُ : سَدَادًا إِلَى الْعَمَلِ بِالَّذِي تُحِبُّ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سَبَبِ مَصِيرِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ إِلَى الْكَهْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ ، أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ عَلَى دِينِ
عِيسَى ، وَكَانَ لَهُمْ مَلِكٌ عَابِدُ وَثَنٍ ، دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، فَهَرَبُوا بِدِينِهِمْ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَفْتِنَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، أَوْ يَقْتُلَهُمْ ، فَاسْتَخَفُّوا مِنْهُ فِي الْكَهْفِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ ، قَالَ : ثَنَا
عَمْرٌو فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=32007_28989أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) كَانَتِ الْفِتْيَةُ عَلَى دِينِ
عِيسَى عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ مَلِكُهُمْ كَافِرًا ، وَقَدْ أُخْرِجَ لَهُمْ صَنَمًا ، فَأَبَوْا ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) قَالَ : فَاعْتَزَلُوا عَنْ قَوْمِهِمْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : إِنَّهُ كَانَ لِأَبِي كَهْفٌ يُأْوِي فِيهِ غَنَمَهُ ، فَانْطَلِقُوا بِنَا نَكُنْ فِيهِ ، فَدَخَلُوهُ ، وَفُقِدُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَطُلِبُوا ، فَقِيلَ : دَخَلُوا هَذَا الْكَهْفَ ، فَقَالَ قَوْمُهُمْ : لَا نُرِيدُ لَهُمْ عُقُوبَةً وَلَا عَذَابًا أَشَدَّ مِنْ أَنَّ نَرْدِمَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْكَهْفَ ، فَبَنَوْهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَمُوهُ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ بُعِثَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا عَلَى دِينِ
عِيسَى ، وَرُفِعَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ الَّذِي كَانَ رُدِمَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19كَمْ لَبِثْتُمْ ) ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَقَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) حَتَّى بَلَغَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ) وَكَانَ وَرِقُ ذَلِكَ الزَّمَانِ كِبَارًا ، فَأَرْسَلُوا أَحَدَهُمْ يَأْتِيهِمْ بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَخْرُجَ ، رَأَى عَلَى بَابِ الْكَهْفِ شَيْئًا أَنْكَرَهُ ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، فَأَنْكَرَ مَا رَأَى ، ثُمَّ أَخْرَجَ دِرْهَمًا ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَأَنْكَرُوهُ ، وَأَنْكَرُوا الدِّرْهَمَ ، وَقَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا ، هَذَا مِنْ وَرِقِ غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ
[ ص: 606 ] ، وَكَانَ لِقَوْمِهِمْ لَوْحٌ يَكْتُبُونَ فِيهِ مَا يَكُونُ ، فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ ، وَسَأَلَهُ الْمَلِكُ ، فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ ، وَنَظَرُوا فِي الْكِتَابِ مَتَى فُقِدَ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ ، وَقِيلَ لَهُ : انْطَلَقَ بِنَا فَأَرِنَا أَصْحَابَكَ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقُوا مَعَهُ ، لِيُرِيَهُمْ ، فَدَخَلَ قَبْلَ الْقَوْمِ ، فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ ، فَقَالَ الَّذِينَ غُلِبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=21لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : مَرَجَ أَمْرُ
أَهْلِ الْإِنْجِيلِ وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْخَطَايَا وَطَغَتْ فِيهِمُ الْمُلُوكُ ، حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ ، وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا عَلَى أَمْرِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، مُتَمَسِّكُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ ، فَكَانَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مُلُوكِهِمْ ، مَلِكٌ مِنَ
الرُّومِ يُقَالُ لَهُ :
دَقْيَنُوسُ ، كَانَ قَدْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ ، وَذَبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ أَقَامَ عَلَى دِينِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، كَانَ يَنْزِلُ فِي قُرَى
الرُّومِ ، فَلَا يَتْرُكُ فِي قَرْيَةٍ يَنْزِلُهَا أَحَدًا مِمَّنْ يَدِينُ بِدِينِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَّا قَتَلَهُ ، حَتَّى يَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ، وَيَذْبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ ، حَتَّى نَزَلَ
دَقْيَنُوسُ مَدِينَةَ الْفِتْيَةِ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، فَلَمَّا نَزَلَهَا
دَقْيَنُوسُ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ ، فَاسْتَخْفَوْا مِنْهُ وَهَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ . وَكَانَ
دَقْيَنُوسُ قَدْ أَمَرَ حِينَ قَدَّمَهَا أَنْ يَتْبَعَ أَهْلَ الْإِيمَانِ فَيُجْمِعُوا لَهُ ، وَاتَّخَذَ شُرَطًا مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِهَا ، فَجَعَلُوا يَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي أَمَاكِنِهِمُ الَّتِي يَسْتَخِفُّونَ فِيهَا ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ إِلَى
دَقْيَنُوسَ ، فَقَدَّمَهُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ الَّتِي يُذْبَحُ فِيهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَيُخَيِّرُهُمْ بَيْنَ الْقَتْلِ ، وَبَيْنَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَيَاةِ وَيُفْظَعُ بِالْقَتْلِ فَيَفْتَتِنُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ فَيَقْتُلُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الصَّلَابَةِ مَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ، جَعَلُوا يُسَلِّمُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَذَابِ وَالْقَتْلِ ، فَيُقْتَلُونَ وَيُقَطَّعُونَ ، ثُمَّ يَرْبُطُ مَا قَطَعَ مِنْ أَجْسَادِهِمْ ، فَيُعَلَّقُ عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا ، وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا ، حَتَّى عَظُمَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فَتُرِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُلِبَ عَلَى دِينِهِ فَقُتِلَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفِتْيَةُ
أَصْحَابُ الْكَهْفِ ، حَزِنُوا حُزْنًا شَدِيدًا ، حَتَّى تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ ،
[ ص: 607 ] وَنَحِلَتْ أَجْسَامُهُمْ ، وَاسْتَعَانُوا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ، وَالتَّحْمِيدِ ، وَالتَّسْبِيحِ ، وَالتَّهْلِيلِ ، وَالتَّكْبِيرِ ، وَالْبُكَاءِ ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ ، وَكَانُوا فِتْيَةً أَحْدَاثًا أَحْرَارًا مِنْ أَبْنَاءِ أَشْرَافِ
الرُّومِ .
فَحَدَّثْنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : لَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِ وَضَحَ الْوَرِقِ ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : فَكَانُوا كَذَلِكَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ ، يَبْكُونَ إِلَى اللَّهِ ، وَيَسْتَغِيثُونَهُ ، وَكَانُوا
nindex.php?page=treesubj&link=32007ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ :
مَكْسَلْمِينَا ، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ ، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَ الْمَلِكَ عَنْهُمْ ،
وَمَحْسِيمِيلِنِينَا ، وَيَمْلِيخَا ، وَمَرْطُوسُ ، وَكَشُوطُوشُ ، وَبِيرُونُسُ ، وَدِينَمُوسُ ، وَيَطُونُسُ قَالُوسُ فَلَمَّا أَجْمَعَ
دَقْيَنُوسُ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ ، بَكَوْا إِلَى اللَّهِ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِكَ إِلَهًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) اكْشِفْ عَنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ وَادْفَعْ عَنْهُمُ الْبَلَاءَ وَأَنْعِمْ عَلَى عِبَادِكَ الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ ، وَمُنِعُوا عِبَادَتَكَ إِلَّا سِرًّا ، مُسْتَخْفِينَ بِذَلِكَ ، حَتَّى يَعْبُدُوكَ عَلَانِيَةً ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ ، عَرَفَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، مِمَّنْ كَانَ يَجْمَعُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ ، وَذَكَرُوا أَمْرَهُمْ ، وَكَانُوا قَدْ خَلَوْا فِي مُصَلًّى لَهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ ، وَيَتَوَقَّعُونَ أَنْ يُذْكَرُوا
لِدَقْيَنُوسَ ، فَانْطَلَقَ أُولَئِكَ الْكَفَرَةُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِمْ مُصَلَّاهُمْ ، فَوَجَدُوهُمْ سُجُودًا عَلَى وُجُوهِهِمْ يَتَضَرَّعُونَ ، وَيَبْكُونَ ، وَيَرْغَبُونَ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنْ دَقْيَنُوسَ وَفِتْنَتِهِ ، فَلَمَّا رَآهُمْ أُولَئِكَ الْكَفَرَةُ مَنْ عُرَفَائِهِمْ قَالُوا لَهُمْ : مَا خَلَّفَكُمْ عَنْ أَمْرِ الْمَلِكِ؟ انْطَلَقُوا إِلَيْهِ! ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِمْ ، فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى
دَقْيَنُوسَ ، وَقَالُوا : تَجْمَعُ النَّاسَ لِلذَّبْحِ لِآلِهَتِكَ ، وَهَؤُلَاءِ فِتْيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ ، يَسْخَرُونَ مِنْكَ ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِكَ ، وَيَعْصُونَ أَمْرَكَ ، وَيَتْرُكُونَ آلِهَتَكَ ، يَعْمِدُونَ إِلَى مُصَلًّى لَهُمْ وَلِأَصْحَابِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يُصَلُونَ فِيهِ ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى إِلَهِهِمْ وَإِلَهِ
عِيسَى وَأَصْحَابِ
عِيسَى ، فَلَمْ تَتْرُكُهُمْ يَصْنَعُونَ هَذَا وَهْمُ بَيْنَ ظَهَرَانِي
[ ص: 608 ] سُلْطَانِكَ وَمُلْكِكَ ، وَهُمْ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ : رَئِيسُهُمْ
مَكْسَلْمِينَا ، وَهُمْ أَبْنَاءُ عُظَمَاءِ الْمَدِينَةِ؟ فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ
لِدَقْيَنُوسَ ، بَعَثَ إِلَيْهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ مِنَ الْمُصَلَّى الَّذِي كَانُوا فِيهِ تُفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدُّمُوعِ مُعَفَّرَةً وُجُوهُهُمْ فِي التُّرَابِ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا الذَّبْحَ لِآلِهَتِنَا الَّتِي تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ ، وَأَنْ تَجْعَلُوا أَنْفُسَكُمْ أُسْوَةً لِسَرَاةِ أَهْلِ مَدِينَتِكُمْ ، وَلِمَنْ حَضَرَ مِنَّا مِنَ النَّاسِ؟ اخْتَارُوا مِنِّي : إِمَّا أَنْ تَذْبَحُوا لِآلِهَتِنَا كَمَا ذَبَحَ النَّاسُ ، وَإِمَّا أَنْ أَقْتُلَكُمْ! فَقَالَ
مَكْسَلْمِينَا : إِنَّ لَنَا إِلَهًا نَعْبُدُهُ مَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَظَمَتُهُ ، لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا أَبَدًا ، وَلَنْ نُقِرَّ بِهَذَا الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ أَبَدًا ، وَلَكِنَّا نَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّنَا ، لَهُ الْحَمْدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ مِنْ أَنْفُسِنَا خَالِصًا أَبَدًا ، إِيَّاهُ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ النَّجَاةَ وَالْخَيْرَ . فَأَمَّا الطَّوَاغِيتُ وَعِبَادَتُهَا ، فَلَنْ نُقِرَّ بَهَا أَبَدًا ، وَلَسْنَا بِكَائِنِينَ عُبَّادًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَلَا جَاعِلِي أَنْفُسَنَا وَأَجْسَادَنَا عُبَّادًا لَهَا ، بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ رَهْبَتَكَ ، أَوْ فَرَقًا مِنْ عُبُودِتِكَ ، اصْنَعْ بِنَا مَا بَدَا لَكَ ، ثُمَّ قَالَ أَصْحَابُ
مَكْسَلْمِينَا لِدَقْيَنُوسَ مِثْلَ مَا قَالَ ، قَالَ : فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لَهُ ، أَمَرَ بِهِمْ فَنُزِعَ عَنْهُمْ لَبُوسٌ كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ لَبُوسِ عُظَمَائِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا إِذْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَإِنِّي سَأُؤَخِّرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِي وَبِطَانَتِي ، وَأَهْلِ بِلَادِي ، وَسَأَفْرُغُ لَكُمْ ، فَأُنْجَزُ لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُعَجِّلَ ذَلِكَ لَكُمْ إِلَّا أَنِّي أَرَاكُمْ فِتْيَانًا حَدِيثَةً أَسْنَانُكُمْ ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ أُهْلِكَكُمْ حَتَّى أَسْتَأْنِّيَ بِكُمْ ، وَأَنَا جَاعِلٌ لَكُمْ أَجَلًا تَذَكَّرُونَ فِيهِ ، وَتُرَاجِعُونَ عُقُولَكُمْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِحِلْيَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ مَنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، فَنُزِعَتْ عَنْهُمْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَأَخْرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، وَانْطَلَقَ
دَقْيَنُوسُ مَكَانَهُ إِلَى مَدِينَةٍ سِوَى مَدِينَتِهِمُ الَّتِي هَمَّ بِهَا قَرِيبًا مِنْهَا لِبَعْضِ مَا يُرِيدُ مِنْ أَمْرِهِ .
فَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ
دَقْيَنُوسَ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَدِينَتِهِمْ بَادَرُوا قُدُومَهُ ، وَخَافُوا إِذَا قَدِمَ مَدِينَتَهُمْ أَنْ يُذَكَّرَ بِهِمْ ، فَأْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفَقَةً مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ ، فَيَتَصَدَّقُوا مِنْهَا ، وَيَتَزَوَّدُوا بِمَا بَقِيَ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُوا إِلَى كَهْفٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ :
بَنْجَلُوسُ فَيَمْكُثُوا فِيهِ ، وَيَعْبُدُوا اللَّهَ حَتَّى إِذَا رَجَعَ
دَقْيَنُوسُ أَتَوْهُ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَيَصْنَعُ بِهِمْ مَا شَاءَ ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، عَمَدَ كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ ، فَأُخِذَ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ نَفَقَةً ، فَتَصَدَّقَ مِنْهَا ، وَانْطَلَقُوا بِمَا بَقِيَ مَعَهُمْ مِنْ نَفَقَتِهِمْ ، وَاتَّبَعَهُمْ كَلْبٌ لَهُمْ ، حَتَّى أَتَوْا ذَلِكَ الْكَهْفَ ، الَّذِي فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ ، فَلَبِثُوا فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ إِلَّا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ ، ابْتِغَاءَ
[ ص: 609 ] وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْحَيَاةُ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ ، وَجَعَلُوا نَفَقَتَهُمْ إِلَى فَتًى مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ يَمْلِيخَا ، فَكَانَ عَلَى طَعَامِهِمْ ، يَبْتَاعُ لَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ سِرًّا مِنْ أَهْلِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَنْ أَجْمَلِهِمْ وَأَجْلِدِهُمْ ، فَكَانَ يَمْلِيخَا يَصْنَعُ ذَلِكَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ يَضَعُ ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ حِسَانًا ، وَيَأْخُذُ ثِيَابًا كَثِيَابِ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ يَسْتَطْعِمُونَ فِيهَا ، ثُمَّ يَأْخُذُ وَرِقَهُ ، فَيَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَشْتَرِي لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا ، وَيَتَسَمَّعُ وَيَتَجَسَّسُ لَهُمُ الْخَبَرَ ، هَلْ ذُكِرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ فِي مَلَإِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَصْحَابِهِ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ ، فَلَبِثُوا بِذَلِكَ مَا لَبِثُوا ، ثُمَّ قَدِمَ
دَقْيَنُوسُ الْجَبَّارُ الْمَدِينَةَ الَّتِي مِنْهَا خَرَجَ إِلَى مَدِينَتِهِ ، وَهِيَ مَدِينَةُ
أَفَمْوَسَ ، فَأَمَرَ عُظَمَاءَ أَهْلِهَا ، فَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ ، فَفَزِعَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ ، فَتَخَبَّئُوا فِي كُلِّ مَخْبَأٍ ، وَكَانَ يَمْلِيخَا بِالْمَدِينَةِ يَشْتَرِي لِأَصْحَابِهِ طَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ بِبَعْضِ نَفَقَتِهِمْ ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُوَ يُبْكِي وَمَعَهُ طَعَامٌ قَلِيلٌ ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْجَبَّارَ
دَقْيَنُوسَ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، وَأَنَّهُمْ قَدْ ذَكَرُوا وَافْتَقَدُوا وَالْتَمَسُوا مَعَ عُظَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِيَذْبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ ، فَزِعُوا فَزَعًا شَدِيدًا ، وَوَقَعُوا سُجُودًا عَلَى وُجُوهِهِمْ يَدْعُونَ اللَّهَ ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ ، وَيَتَعَوَّذُونَ بِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ ، ثُمَّ إِنَّ
يَمْلِيخَا قَالَ لَهُمْ : يَا إِخْوَتَاهُ ، ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ ، فَاطْعَمُوا مِنْ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ، وَأَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَذَرًا وَتَخَوُّفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، فَطَعِمُوا مِنْهُ ، وَذَلِكَ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ وَيَتَدَارَسُونَ ، وَيَذْكُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى حُزْنٍ مِنْهُمْ ، مُشْفِقِينَ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ صَاحِبُهُمْ مِنَ الْخَبَرِ ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ ، إِذْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ، وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِبَابِ الْكَهْفِ ، فَأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ وَهُمْ مُؤْمِنُونَ مُوقِنُونَ ، مُصَدِّقُونَ بِالْوَعْدِ ، وَنَفَقَتُهُمْ مَوْضُوعَةٌ عِنْدَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ فَقَدَهُمْ
دَقْيَنُوسُ ، فَالْتَمَسَهُمْ فَلَمْ يَجِدْهُمْ ، فَقَالَ لِعُظَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : لَقَدْ سَاءَنِي شَأْنُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا ، لَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ بِي غَضَبًا عَلَيْهِمْ فِيمَا صَنَعُوا فِي أَوَّلِ شَأْنِهِمْ ، لِجَهْلِهِمْ مَا جَهِلُوا مِنْ أَمْرِي ، مَا كُنْتُ لِأَجْهَلَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسِي ، وَلَا أُؤَاخِذُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِشَيْءٍ إِنْ هُمْ تَابُوا وَعَبَدُوا آلِهَتِي ، وَلَوْ فَعَلُوا لِتَرَكْتُهُمْ ، وَمَا عَاقَبْتُهُمْ بِشَيْءٍ سَلَفَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ لَهُ عُظَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : مَا أَنْتَ بِحَقِيقٍ أَنْ تَرْحَمَ قَوْمًا فَجَرَةً مَرَدَةً عُصَاةً ، مُقِيمِينَ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَمَعْصِيَتِهِمْ ، وَقَدْ كُنْتَ أَجَّلْتَهُمْ
[ ص: 610 ] أَجَلًا وَأَخَّرْتَهُمْ عَنِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي أَصَبْتَ بِهَا غَيْرَهُمْ ، وَلَوْ شَاءُوا لَرَجَعُوا فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يَنْزَعُوا وَلَمْ يَنْدَمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا ، وَكَانُوا مُنْذُ انْطَلَقْتَ يُبَذِّرُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا عَلِمُوا بِقُدُومِكَ فَرُّوا فَلَمْ يُرُوا بَعْدُ ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُؤْتَى بِهِمْ ، فَأَرْسِلْ إِلَى آبَائِهِمْ فَامْتَحِنْهُمْ ، وَاشْدُدْ عَلَيْهِمْ يَدُلُّوكَ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّهُمْ مُخْتَبِئُونَ مِنْكَ ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِدَقْيَنُوسَ الْجَبَّارِ ، غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا . ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى آبَائِهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُمْ وَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ أَبْنَائِكُمُ الْمَرَدَةِ الَّذِينَ عَصَوْا أَمْرِي ، وَتَرَكُوا آلِهَتِي ، ائْتُونِي بِهِمْ ، وَأَنْبِئُونِي بِمَكَانِهِمْ ، فَقَالَ لَهُ آبَاؤُهُمْ : أَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَعْصِ أَمْرَكَ وَلَمْ نُخَالِفْكَ ، قَدْ عَبَدْنَا آلِهَتَكَ وَذَبَحْنَا لَهُمْ ، فَلِمَ تَقْتُلُنَا فِي قَوْمٍ مَرَدَةٍ ؟ قَدْ ذَهَبُوا بِأَمْوَالِنَا فَبَذَّرُوهَا وَأَهْلَكُوهَا فِي أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا ، فَارْتَقَوْا فِي جَبَلٍ يُدْعَى
بَنْجَلُوسَ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْضٌ بَعِيدَةٌ هَرَبًا مِنْكَ ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُمْ ، وَجَعَلَ يَأْتَمِرُ مَاذَا يَصْنَعُ بِالْفِتْيَةِ ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْكَهْفِ فَيُسَدَّ عَلَيْهِمْ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ ، أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَهُمْ ، وَيُكْرِمَ أَجْسَادَ الْفِتْيَةِ ، فَلَا يَجُولُ ، وَلَا يَطُوفُ بِهَا شَيْءٌ ، وَأَرَادَ أَنْ يُحْيِيَهُمْ ، وَيَجْعَلَهُمْ آيَةً لِأُمَّةٍ تُسْتَخْلَفُ مِنْ بُعْدِهِمْ ، وَأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30337اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ . فَأَمَرَ
دَقْيَنُوسُ بِالْكَهْفِ أَنْ يُسَدَّ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ : دَعَوْا هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةَ الْمَرَدَةَ الَّذِينَ تَرَكُوا آلِهَتِي فَلْيَمُوتُوا كَمَا هُمْ فِي الْكَهْفِ عَطَشًا وَجُوعًا ، وَلْيَكُنْ كَهْفُهُمُ الَّذِي اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ قَبْرًا لَهُمْ ، فَفَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ أَيْقَاظٌ يَعْلَمُونَ مَا يُصَنَعُ بِهِمْ ، وَقَدْ تَوَفَّى اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ وَفَاةَ النُّوَّمِ ، وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِبَابِ الْكَهْفِ ، قَدْ غَشَّاهُ اللَّهُ مَا غَشَّاهُمْ ، يُقَلَّبُونَ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ كَانَا فِي بَيْتِ الْمَلِكِ
دَقْيَنُوسَ يَكْتُمَانِ إِيمَانَهُمَا : اسْمُ أَحَدِهِمَا
بَيْدَرُوسُ ، وَاسْمُ الْآخَرِ :
رُونَاسُ ، فَأْتَمَرَا أَنْ يَكْتُبَا شَأْنَ الْفِتْيَةِ أَصْحَابَ الْكَهْفِ ، أَنْسَابَهُمْ وَأَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ ، وَقِصَّةَ خَبَرِهُمْ فِي لَوْحَيْنِ مِنْ رَصَاصٍ ، ثُمَّ يَصْنَعَا لَهُ تَابُوتًا مِنْ نُحَاسٍ ، ثُمَّ يَجْعَلَا اللَّوْحَيْنِ فِيهِ ، ثُمَّ يَكْتُبَا عَلَيْهِ فِي فَمِ الْكَهْفِ بَيْنَ ظَهَرَانِيِ الْبُنْيَانِ ، وَيَخْتِمَا عَلَى التَّابُوتِ بِخَاتَمِهِمَا ، وَقَالَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْهِرَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ قَوْمًا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيَعْلَمُ مَنْ فَتْحِ عَلَيْهِمْ حِينَ يَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ خَبَرَهُمْ ، فَفَعَلَا ثُمَّ بَنَيَا عَلَيْهِ فِي الْبُنْيَانِ ، فَبَقِيَ
دَقْيَنُوسُ وَقَرْنُهُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْقَوْا ، ثُمَّ هَلَكَ
دَقْيَنُوسُ وَالْقَرْنُ الَّذِي كَانُوا مَعَهُ ،
[ ص: 611 ] وَقُرُونٌ بَعْدَهُ كَثِيرَةٌ ، وَخَلَّفَتِ الْخُلُوفُ بَعْدَ الْخُلُوفِ .
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : كَانَ
أَصْحَابُ الْكَهْفِ أَبْنَاءُ عُظَمَاءِ مَدِينَتِهِمْ ، وَأَهْلُ شَرَفِهِمْ ، فَخَرَجُوا فَاجْتَمَعُوا وَرَاءَ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هُوَ أَسَنُّهُمْ : إِنِّي لِأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا مَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَجِدُهُ ، قَالُوا : مَاذَا تَجِدُ؟ قَالَ : أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنَّ رَبِّي رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَقَالُوا : نَحْنُ نَجِدُ ، فَقَامُوا جَمِيعًا ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) فَاجْتَمَعُوا أَنْ يَدْخُلُوا الْكَهْفَ ، وَعَلَى مَدِينَتِهِمْ إِذْ ذَاكَ جَبَّارٌ يُقَالُ لَهُ
دَقْيَنُوسُ ، فَلَبِثُوا فِي الْكَهْفِ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا رَقْدًا .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : كَانَ
أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِتْيَانًا مُلُوكًا مُطَوَّقَيْنِ مُسَوَّرَيْنِ ذَوِي ذَوَائِبَ ، وَكَانَ مَعَهُمْ كَلْبُ صَيْدِهِمْ ، فَخَرَجُوا فِي عِيدٍ لَهُمْ عَظِيمٍ فِي زِيٍّ وَمَوْكِبٍ ، وَأَخْرَجُوا مَعَهُمْ آلْهَتُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْفِتْيَةِ الْإِيمَانَ فَآمَنُوا ، وَأَخْفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْإِيمَانَ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ إِيمَانُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ : نَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يُصِيبُنَا عِقَابٌ بِجُرْمِهِمْ ، فَخَرَجَ شَابٌّ مِنْهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ ، فَجَلَسَ فِيهِ ، ثُمَّ خَرَجَ آخَرُ فَرَآهُ جَالِسًا وَحْدَهُ ، فَرَجَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَثْلِ أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُونَ ، فَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا ، فَاجْتَمَعُوا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا جَمْعُكُمْ؟ وَقَالَ آخَرُ : بَلْ مَا جَمْعُكُمْ؟ وَكُلٌّ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ صَاحِبِهِ مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالُوا : لِيَخْرُجْ مِنْكُمْ فَتَيَانِ ، فَيَخْلُوَا ، فَيَتَوَاثَقَا أَنْ لَا يُفْشِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ يُفْشِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَمْرَهُ ، فَإِنَّا نَرْجُو أَنْ نَكُونَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ ، فَخَرَجَ فَتَيَانِ مِنْهُمْ فَتَوَاثَقَا ، ثُمَّ تَكَلَّمَا ، فَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرَهُ لِصَاحِبِهِ ، فَأَقْبَلَا مُسْتَبْشِرَيْنِ إِلَى أَصْحَابِهِمَا قَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا هُمْ جَمِيعًا عَلَى الْإِيمَانِ ، وَإِذَا كَهْفٌ فِي الْجَبَلِ قَرِيبٌ مِنْهُمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : ائْتُوا إِلَى الْكَهْفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا )
[ ص: 612 ] فَدَخَلُوا الْكَهْفَ ، وَمَعَهُمْ كَلْبُ صَيْدِهِمْ فَنَامُوا ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَقْدَةً وَاحِدَةً ، فَنَامُوا ثَلَاثَ مِائَةِ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ، قَالَ : وَفَقَدَهُمْ قَوْمُهُمْ فَطَلَبُوهُمْ وَبَعَثُوا الْبَرْدَ ، فَعَمَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ آثَارَهُمْ وَكَهْفَهُمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ كَتَبُوا أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ فِي لَوْحٍ : فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ ، وَفُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَبْنَاءُ مُلُوكِنَا ، فَقَدْنَاهُمْ فِي عِيدِ كَذَا وَكَذَا فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا ، فِي مَمْلَكَةِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ، وَرَفَعُوا اللَّوْحَ فِي الْخِزَانَةِ ، فَمَاتَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ مَلَكٌ مُسْلِمٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، وَجَاءَ قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ ، فَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةِ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ مَصِيرُهُمْ إِلَى الْكَهْفِ هَرَبًا مِنْ طَلَبِ سُلْطَانٍ كَانَ طَلَبَهُمْ بِسَبَبِ دَعْوَى جِنَايَةٍ ادَّعَى عَلَى صَاحِبٍ لَهُمْ أَنَّهُ جَنَاهَا .
ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَرُوسٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ : جَاءَ حَوَارِيُّ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى مَدِينَةِ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا ، فَقِيلَ لَهُ : إِنْ عَلَى بَابِهَا صَنَمًا لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا سَجَدَ لَهُ ، فَكَرِهَ أَنْ يَدْخُلَهَا ، فَأَتَى حَمَّامًا ، فَكَانَ فِيهِ قَرِيبًا مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَعْمَلُ فِيهِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مَنْ صَاحِبِ الْحَمَّامِ ، وَرَأَى صَاحِبُ الْحَمَّامِ فِي حَمَّامِهِ الْبَرَكَةَ وَدَرَّ عَلَيْهِ الرِّزْقَ ، فَجَعَلَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ، وَجَعَلَ يَسْتَرْسِلُ إِلَيْهِ ، وَعَلِقَهُ فِتْيَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ خَبَرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَخَبَرَ الْآخِرَةِ ، حَتَّى آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ ، وَكَانُوا عَلَى مِثْلِ حَالِهِ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ ، وَكَانَ يُشْتَرَطُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّ اللَّيْلَ لِي لَا تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَتْ ، فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ ابْنُ الْمَلِكِ بِامْرَأَةٍ ، فَدَخَلَ بِهَا الْحَمَّامُ ، فَعَيَّرَهُ الْحَوَارِيُّ ، فَقَالَ : أَنْتَ ابْنُ الْمَلِكِ ، وَتُدْخِلُ مَعَكَ هَذِهِ النَّكْدَاءُ ، فَاسْتَحْيَا ، فَذَهَبَ فَرَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَسَبَّهُ وَانْتَهَرَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلَتْ مَعَهُ الْمَرْأَةُ ، فَمَاتَا فِي الْحَمَّامِ جَمِيعًا ، فَأُتِيَ الْمَلِكَ ، فَقِيلَ لَهُ : قَتَلَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ ابْنَكَ ، فَالْتُمِسَ ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ هَرَبًا ، قَالَ : مَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ؟ فَسَمَّوُا الْفِتْيَةَ ، فَالْتَمَسُوا ، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَمَرُّوا بِصَاحِبٍ لَهُمْ فِي زَرْعٍ لَهُ ، وَهُوَ عَلَى مِثْلِ
[ ص: 613 ] أَمْرِهِمْ ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمُ الْتُمِسُوا ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمُ الْكَلْبُ ، حَتَّى أَوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى الْكَهْفِ ، فَدَخَلُوهُ ، فَقَالُوا : نَبِيتُ هَاهُنَا اللَّيْلَةَ ، ثُمَّ نُصْبِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَتَرَوْنَ رَأْيَكُمْ ، فَضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ ، فَخَرَجَ الْمَلِكُ فِي أَصْحَابِهِ يَتْبَعُونَهُمْ حَتَّى وَجَدُوهُمْ قَدْ دَخَلُوا الْكَهْفَ ، فَكُلَّمَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَدْخُلَ أُرْعِبَ ، فَلَمْ يُطِقْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَهُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : أَلَيْسَ لَوْ كُنْتَ قَدَرْتَ عَلَيْهِمْ قَتَلَتْهُمْ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَابْنِ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ ، وَدَعَهُمْ فِيهِ يَمُوتُوا عَطَشًا وَجُوعًا ، فَفَعَلَ .