الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ، في المحرم ، وقع الحريق ببغداد فاحترق أكثر الظفرية ومواضع غيرها ، ودام الحريق إلى بكرة وطفئت النار .

وفيها في شعبان ، بنى ابن سنكا ، وهو ابن أخي شملة صاحب خوزستان ، قلعة [ ص: 399 ] بالقرب من الماهكي ليتقوى بها على الاستيلاء على تلك الأعمال ، فسير إليه الخليفة العساكر من بغداد لمنعه ، فالتقوا وحمل بنفسه على الميمنة فهزمها ، واقتتل الناس قتالا عظيما ، وأسر ابن أخي شملة ، وحمل رأسه إلى بغداد ، فعلق بباب النوبي ، وهدمت القلعة .

وفيها ، في رمضان ، توالت الأمطار في ديار بكر والجزيرة والموصل ، فدامت أربعين يوما ما رأينا الشمس فيها غير مرتين ، كل مرة مقدار لحظة ، وخربت المساكن وغيرها ، وكثر الهدم ، ومات تحته كثير من الناس ، وزادت دجلة زيادة عظيمة ، وكان أكثرها ببغداد ، فإنها زادت على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بغداد بذراع وكسر ، وخاف الناس الغرق ، وفارقوا البلد ، وأقاموا على شاطئ دجلة خوفا من انفتاح القورج وغيره ، وكانوا كلما انفتح موضع بادروا بسده ، ونبع الماء في البلاليع ، وخرب كثيرا من الدور ، ودخل الماء إلى البيمارستان العضدي ، ودخلت السفن من الشبابيك التي له ، فإنها كانت قد تعلقت ، فمن الله تعالى على الناس بنقص الماء بعد أن أشرفوا على الغرق .

وفيها ، في جمادى الأولى ، كانت الفتنة ببغداد بين قطب الدين قايماز والخليفة ، وسببها أن الخليفة أمر بإعادة عضد الدين ابن رئيس الرؤساء إلى الوزارة ، فمنع منه قطب الدين ، وأغلق باب النوبي وباب العامة ، وبقيت دار الخليفة كالمحاصرة ، فأجاب الخليفة إلى ترك وزارته ، فقالقطب الدين : لا أقنع إلا بإخراج عضد الدين من بغداد ، فأمر بالخروج منها ، فالتجأ إلى صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم بن إسماعيل ، فأخذه إلى رباطه وأجاره ، ونقله إلى دار الوزير بقطفتا ، فأقام بها ، ثم عاد إلى بيته في جمادى الآخرة .

وفيها سقط الأمير أبو العباس أحمد ابن الخليفة - وهو الذي صار خليفة - من قبة عالية إلى أرض التاج ومعه غلام له اسمه نجاح ، فألقى نفسه بعده ، وسلم ابن الخليفة [ ص: 400 ] ونجاح ، فقيل لنجاح : لم ألقيت نفسك ؟ فقال : ما كنت أريد البقاء بعد مولاي ، فرعى له الأمير أبو العباس ذلك ، فلما صار خليفة جعله شرابيا ، وصارت الدولة جميعها بحكمه ، ولقيه الملك الرحيم عز الدين ، وبالغ في الإحسان إليه والتقديم له ، وخدمه جميع الأمراء بالعراق والوزراء وغيرهم .

وفيها ، في رمضان ، وقع ببغداد برد كبار ما رأى الناس مثله ، فهدم الدور ، وقتل جماعة من الناس وكثيرا من المواشي ، فوزنت بردة منها فكانت سبعة أرطال ، وكان عامته كالنارنج يكسر الأغصان . هكذا ذكره أبو الفرج بن الجوزي في " تاريخه " ، والعهدة عليه .

وفيها كانت وقعة عظيمة بين المؤيد ، صاحب نيسابور ، وبين شاه مازندران ، قتل فيها كثير من الطائفتين ، فانهزم شاه مازندران ، ودخل المؤيد بلد الديلم وخربه وفتك بأهله وعاد عنه .

وفيها وقعت وقعة كبيرة بين أهل باب البصرة وأهل باب الكرخ ، وسببها أن الماء لما زاد سكر أهل الكرخ سكرا رد الماء عنهم ، فغرق مسجد فيه شجرة ، فانقلعت ، فصاح أهل الكرخ : انقلعت الشجرة ، لعن الله العشرة ! فقامت الفتنة ، فتقدم الخليفة إلى علاء الدين تنامش بكفهم ، فمال على أهل باب البصرة لأنه كان شيعيا ، وأراد دخول المحلة ، فمنعه أهلها ، وأغلقوا الأبواب ووقفوا على السور ، وأراد إحراق الأبواب ، فبلغ ذلك الخليفة فأنكره أشد إنكار وأمر بإعادة تنامش ، فعاد ، ودامت الفتنة أسبوعا ، ثم انفصل الحال من غير توسط سلطان .

وفيها عبر ملك الروم خليج القسطنطينية وقصد بلاد قلج أرسلان ، فجرى بينهما حرب استظهر فيها المسلمون ، فلما رأى ملك الروم عجزه عاد إلى بلده ، وقد قتل من عسكره وأسر جماعة كثيرة .

[ ص: 401 ] [ الوفيات ] وفيها ، في جمادى الأولى ، مات أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله العلوي الحسيني نقيب العلويين ببغداد ، وكان يلقب الظاهر ، وسمع الحديث الكثير ورواه ، وكان حسنة أهل بغداد .

وفيها توفي الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار الهمذاني ، سافر الكثير في طلب الحديث وقراءة القرآن واللغة ، وكان من أعيان المحدثين في زمانه ، وكان له قبول عظيم ببلده عند العامة والخاصة .

وفيها توفي أبو محمد سعيد بن المبارك المعروف بابن الدهان النحوي البغدادي بالموصل ، وكان إماما في النحو ، له التصانيف المشهورة منها " الغرة " وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية