الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر ) لأنه فعل ما فعل بأمر الشرع ، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ ، بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لأنه مطلق فيه ، والإطلاقات تتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق . وقال الشافعي : تجب الدية في بيت المال لأن الإتلاف خطأ فيه ، إذ التعزير للتأديب غير أنه تجب الدية في بيت المال لأن نفع عمله يرجع على عامة المسلمين فيكون الغرم في مالهم . قلنا لما استوفى حق الله تعالى بأمره صار كأن الله أماته من غير واسطة فلا يجب الضمان . .

التالي السابق


( قوله ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر ) وهو قول مالك وأحمد . وقال الشافعي رحمه الله : يضمن ثم في قول تجب الدية في بيت المال لأن نفع عمله يرجع إلى عامة المسلمين فيكون الغرم الذي يلحقه بسبب عمله لهم عليهم ، وفي قول على عاقلة الإمام لأن أصل التعزير غير واجب عليه ، ولو وجب فالضرب غير متعين في التعزير فيكون فعله مباحا فيتقيد بشرط السلامة ولم يسلم فيجب على عاقلته ، وهذا يخص التعزير ونحن نقول : إن الإمام مأمور بالحد والتعزير عند عدم ظهور الانزجار له في التعزير بحق الله تعالى ( وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كما في الفصاد ) لأنه لا بد له من الفعل وإلا عوقب ، والسلامة خارجة عن وسعه ، إذ الذي في وسعه أن لا يتعرض لسببها القريب ، وهو بين أن يبالغ في التخفيف فلا يسقط الوجوب به عنه ، أو يفعل ما يقع زاجرا وهو ما هو مؤلم زاجر ، وقد يتفق أن يموت [ ص: 353 ] الإنسان به فلا يتصور الأمر بالضرب المؤلم الزاجر مع اشتراط السلامة عليه ، بخلاف المباحات فإنها رفع الجناح في الفعل وإطلاقه ، وهو مخير فيه بعد ذلك غير ملزم به فصح تقييده بشرط السلامة كالمرور في الطريق والاصطياد ولهذا يضمن إذا عزر امرأته فماتت لأنه مباح ومنفعته ترجع إليه كما ترجع إلى المرأة من وجه آخر وهو استقامتها على ما أمر الله به . وذكر الحاكم أنه لا يضرب امرأته على ترك الصلاة ويضرب ابنه ، وكذا المعلم إذا أدب الصبي فمات منه يضمن عندنا والشافعي ، أما لو جامع زوجته فماتت أو أفضاها لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف ذكره في المحيط مع أنه مباح فيتقيد بشرط السلامة لأنه ضمن المهر بذلك الجماع ; فلو وجبت الدية وجب ضمانان بمضمون واحد . .



[ تتمة ]

الأولى للإنسان فيما إذا قيل له ما يوجب التعزير أن لا يجيبه ، قالوا : لو قال له يا خبيث ، الأحسن أن يكف عنه ، ولو رفع إلى القاضي ليؤدبه يجوز ، ولو أجاب مع هذا فقال بل أنت لا بأس ، وإذا أساء العبد الأدب حل لمولاه تأديبه وكذا الزوجة . وفي فتاوى الشافعي : من يتهم بالقتل والسرقة يحبس ويجلد في السجن إلى أن يظهر التوبة ، وفيها عن أبي يوسف : إذا كان يبيع الخمر ويشتري ويترك الصلاة يحبس ويؤدب ثم يخرج ، والساحر إذا ادعى أنه يخلق ما يفعل إن تاب وتبرأ وقال الله تعالى خالق كل شيء قبلت توبته ، وإن لم يتب يقتل وكذا الساحرة تقتل بردتها ، وإن كانت المرتدة لا تقتل عندنا ، لكن الساحرة تقتل بالأثر ، وهو ما روي عن عمر أنه كتب إلى عماله اقتلوا الساحر والساحرة ، زاد في فتاوى قاضي خان . وإن كان يستعمل السحر ويجحد ولا يدري كيف يقول فإن هذا الساحر يقتل إذا أخذ وثبت ذلك منه ولا تقبل توبته .

وفي الفتاوى : رجل يتخذ لعبة للناس ويفرق بين المرء وزوجته بتلك اللعبة فهذا سحر ويحكم بارتداده ويقتل . قال في الخلاصة : هكذا ذكره القاضي مطلقا ، وهو محمول على ما إذا كان يعتقد أن له أثرا انتهى . وعلى هذا التقدير فلم يذكر حكم هذا الرجل ، وعلى هذا التقدير : أعني عدم الحكم بارتداده فينبغي أن يكون حكمه أن يضرب ويحبس حتى يحدث توبة . وهل تحل الكتابة بما علم أن فلانا يتعاطى من المناكير لأبيه ؟ قالوا : إن وقع في قلبه أن أباه يقدر أن يغير على ابنه يحل له أن يكتب إليه ، وإن لم يقع في قلبه لا يكتب ، وكذا بين الرجل وزوجته وبين السلطان والرعية ، ويعزر من شهد شرب الشاربين والمجتمعون على شبه الشرب وإن لم يشربوا ومن معه ركوة خمر ، والمفطر في نهار رمضان يعزر ويحبس ، والمسلم الذي يبيع الخمر أو يأكل الربا يعزر ويحبس ، وكذا المغني والمخنث والنائحة يعزرون ويحبسون حتى يحدثوا توبة ، وكذا المسلم إذا شتم الذمي يعزر لأنه ارتكب معصية ، ومن يتهم بالقتل والسرقة يحبس ويخلد في السجن إلى أن تظهر التوبة ، وكذا يسجن من قبل أجنبية أو عانقها أو مسها بشهوة ، والله أعلم . .




الخدمات العلمية