الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس ، صحت صلاته إلا أن يكون متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى ، فلا تصح ، ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا فصلاته صحيحة ، وإن علم أنها كانت فيها لكنه نسيها أو جهلها ، فعلى روايتين ، وإذا جبر ساقه بعظم نجس ، فجبر ، لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر ، وإن لم يخف لزمه قلعه ، وإن سقطت سنه فأعادها بحرارتها فثبتت فهي طاهرة ، وعنه : أنها نجسة ، حكمها حكم العظم النجس إذا جبر به ساقه ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن صلى على مكان طاهر من بساط ) أو حبل ( طرفه نجس ) لا يصيبه ( صحت صلاته ) ذكره السامري ، وغيره ، وصححه المؤلف لأنه ليس بحامل للنجاسة ، ولا مصل عليها ، وإنما اتصل مصلاه بها ، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة ، وظاهره ولو حاذاها بصدره إذا سجد في الأصح ، والثاني : المنع ، لأنها في حريم مصلاه ، والهواء تابع للقرار ، أشبه الصلاة على سقف الحش ، وظاهره ولو تحرك النجس بحركته ، وهو المذهب ( إلا أن يكون متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى فلا تصح ) جزم به في " الوجيز " و " الفروع " وغيرهما ، لأنه مستتبع لها ، فهو كحاملها ، فإن كان بيده أو وسطه حبل مشدود في نجس ، أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه إذا مشى ، لم يصح ، كحمله ما يلاقيها ، وإلا [ ص: 390 ] صحت ، لأنه ليس بمستتبع لها ، ذكره السامري ، وجزم به في " الفصول " ، واختاره المؤلف ، كما لو أمسك غصنا من شجرة عليها نجاسة ، وقيل : لا يصح جزم به في " التلخيص " وقاله القاضي ، لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة ، قال المجد : إن كان الشد في موضع نجس مما لا يمكن جره معه كفيل ، لم يصح كحمله ما يلاقيها ، قال في " الشرح " : والأول أولى ، لأنه لا يقدر على استتباع الملاقي للنجاسة ، أشبه ما لو أمسك سفينة عظيمة فيها نجاسة ، قال في " الفروع " : ويتوجه مثلها حبل بيده طرفه على نجاسة يابسة ، ومقتضى كلام المؤلف الصحة ، وكذا حكم ما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة ، ذكره ابن تميم .



                                                                                                                          فرع : إذا داس النجاسة عمدا في الأشهر بطلت ، وإن داسها مركوبة فلا ، قال ابن حمدان : بلى إن أمكن رده عنها ولم يردها . تنبيه : إذا شرب خمرا ولم يسكر غسل فمه ، وصلى ، ولم يلزمه قيء ، نص عليه ، وقيل : بلى يلزمه ، ولإمكان إزالتها ، وقد روى أحمد وغيره من حديث ابن عمر مرفوعا : لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما فالمراد نفي ثوابها لا صحتها ، قاله المجد ، وحكم سائر النجاسات كذلك ، لأنها حصلت في معدتها ( ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا فصلاته صحيحة ) لأن الأصل عدم كونها في الصلاة لاحتمال حدوثها بعدها ، فلا نبطلها بالشك ( وإن علم أنها كانت فيها لكنه نسيها أو جهلها فعلى روايتين ) وكذا في " المحرر " إحداهما لا تبطل ، اختاره المؤلف ، وجزم به في " الوجيز " وقدمه ابن تميم ، والمجد ، وقاله جماعة ، منهم ابن عمر لحديث أبي سعيد في خلع النعلين ، ولو بطلت لاستأنفها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                          [ ص: 391 ] والثانية : تبطل ، وهي الأشهر فعلى هذا يعيد ، لأنها طهارة مشترطة فلم تسقط بالجهل كطهارة الحدث ، وأجيب بأن طهارة الحدث آكد لكونه لا يعفى عن يسيرها ، وقال القاضي ، وابن عقيل : يعيد مع النسيان رواية واحدة ، وقطع به في " التلخيص " وكذا قال الآمدي : يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة ، لأنه منسوب إلى التفريط بخلاف الجاهل ، وفي " المغني " : الصحيح التسوية بينهما ، لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان ، بل أولى ، لورود النص بالعفو عنه ، وكذا الخلاف إن عجز عنها حتى فرغ ، قال أبو المعالي : أو زاد مرضه بتحريكه ، وفي " الرعاية " أو جهل حكمها .



                                                                                                                          تنبيه : إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة ، وأمكن إزالتها من غير عمل كثير ، ولا زمن طويل ، فالحكم كما لو علم بعد الصلاة ، فإن قلنا : لا تبطل أزالها وبنى ، وقال ابن عقيل : تبطل رواية واحدة ، وإن لم يمكن إزالتها إلا بعمل كثير أو مضى زمن طويل بطلت ، وقيل : لا بل يزيلها ، ويبني ( وإذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر ) قدمه في " الكافي " و " التلخيص " وصححه ابن تميم ، والجد ، وجزم به في " الوجيز " والمراد بخوف الضرر فوات نفس أو عضو أو مرض ، لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب ، وهو أهم من رعاية شرط الصلاة ، ولهذا لا يلزمه شراء سترة ولا ماء للوضوء بزيادة تجحف بماله ، فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله ، فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى ، وعنه : يلزمه إذا لم يخف التلف ، اختاره أبو بكر ، لأنه غير خائف للتلف ، أشبه إذا لم يخف الضرر ، والأول : أولى ، فإن ستره [ ص: 392 ] اللحم لم يحتج إلى تيمم ، وإلا تيمم له ، قاله ابن تميم ، وغيره ، وكذا إذا خاط جرحه بشيء نجس ، فإن خاف التلف لم يلزمه رواية واحدة ( وإن لم يخف ) الضرر ( لزمه قلعه ) لأنه قادر على إزالته من غير ضرر ، فلو صلى معه لم يصح ، فإذا مات من يلزمه قلعه ، قلع ، وأطلقه جماعة . قال أبو المعالي ، وغيره : ما لم يغطه اللحم للمثلة .

                                                                                                                          ( وإن سقطت سنه ) أو عضوه ( فأعادها بحرارتها فثبتت ، فهي طاهرة ) على المذهب ، لأنه جزء من جملة ، فكان حكمه حكمها كسائر الحيوانات الطاهرة والنجسة ( وعنه : إنها نجسة ) اختارها القاضي ، لأنه لا حرمة لها ، بدليل أنه لا يصلى عليها ، وقد أبينت من حي فتكون نجسة ( حكمها حكم العظم النجس إذا جبر به ساقه ) لتساويهما حينئذ في أصل النجاسة ، وقيل : إن ثبتت السن وغيرها ، ولم يتغير فهو طاهر ، وإن ثبتت وتريح أو تغير فهو نجس يؤمر بقلعه ، ويعيد ما صلى قبل زواله ، وظاهره أنه إذا لم يثبت فإنه يزيله ، ويعيد ما صلى به في الأصح ، قال في " المستوعب " : أصلهما الروايتان في نجاسته .

                                                                                                                          فرع : إذا جعل موضع سنه سن شاة مذكاة ، فصلاته معه مجزئة ثبتت أو لم تثبت .

                                                                                                                          وصلة : وصل المرأة شعرها ، زاد في " الشرح " أو شعر غيرها بشعر حرام ، لأن فاعل ذلك ملعون ، وقيل : يكره ، قدمه في " الرعاية " ولا بأس بوصله بقرامل ، وتركها أفضل ، وعنه : يكره رجحه في " الشرح " وبعده ابن حمدان ، وعنه : يحرم ، والأيم وذات الزوج سواء ، وقيل : لا بأس بإذن زوج ، لكن إن كان شعر أجنبية في حل النظر إليه وجهان ، وإن [ ص: 393 ] كان شعر بهيمة كره ، ثم إن كان الشعر نجسا لم تصح الصلاة معه في الأشهر ، وإن كان طاهرا ، وقلنا بالتحريم ففي صحة الصلاة معه وجهان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية