الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3195 [ 1777 ] وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده ".

                                                                                              وفي رواية: إن سرق حبلا وإن سرق بيضة.

                                                                                              رواه البخاري (6783) ومسلم (1687) (7) والنسائي (8 \ 65).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قوله: لعن الله السارق ) أي: أبعده الله، وقد تقدم أن أصل اللعن الطرد والبعد.

                                                                                              وفيه ما يدل: على جواز لعن جنس العصاة لأنه لا بد أن يكون في ذلك الجنس من يستحق ذلك اللعن، أو الذم، أو الدعاء عليه. وليس كذلك العاصي المعين; لأنه قد لا يستحق ذلك، فيعلم الله أنه يتوب من ذلك، فلا يستحق ذلك اللعن بذلك.

                                                                                              وقد ذهب بعض الناس إلى أنه يجوز لعن المعين من أهل المعاصي ما لم يحد، فإذا حد لم يجز; لأن الحدود كفارة، وهذا فاسد; لأن العاصي المؤمن لم يخرج بمعصيته عن اسم المؤمن، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لعن المؤمن كقتله) وقد نهي عن اللعن، وهو كثير، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعن الملقب بـ (حمار) الذي كان يشرب الخمر كثيرا، فلعنه بعضهم، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعنه، وهو صحيح [ ص: 75 ] نص في الباب، وفرق بين لعن الجنس والشخص; لأن لعن الجنس تحقيق وتحذير، ولعن الشخص حسبان وتعيير. وأما الكافر فلا حرمة له، ويجب الكف عن أذى من له ذمة.

                                                                                              ولا حجة لمن رأى أنه لا تقطع الخمس إلا في خمس بما رواه أنس عن أبي بكر أنه قطع في خمسة دراهم; لأنه ليس فيه دلالة على أن هذا أقل ما يقطع فيه، ولو كان نصا لما كان معارضا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقطع يد السارق في أقل من ربع دينار) فإن هذا نص من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يعارض بغيره.

                                                                                              واختلف العلماء في الحد الذي تقطع منه اليد وفيمن قطعت يده ثم سرق ما الذي يقطع له؟ وفيمن كانت له يمين شلاء. فهذه مسائل:

                                                                                              الأولى: لا خلاف أن اليمين هي التي تقطع أولا، ثم اختلفوا إن سرق ثانية، فقال مالك ، وأهل المدينة ، والشافعي ، وأبو ثور وغيرهم: تقطع رجله اليسرى، ثم في الثالثة يده اليسرى، ثم في الرابعة رجله اليمنى، ثم بعد هذا يعزر ويحبس.

                                                                                              قال أبو مصعب من أصحابنا: يقتل بعد الرابعة.

                                                                                              وقد ثبت عن أبي بكر وعمر : أنهما قطعا اليد بعد اليد، والرجل بعد الرجل. وقيل: تقطع في الثانية رجله اليسرى، ثم لا قطع في غيرها، فإن عاد حبس، وعزر، روي ذلك عن علي ، وبه قال الزهري ، وحماد ، وأحمد .

                                                                                              فلو كانت اليمنى شلاء، أو مقطوعة أكثر الأصابع، أو لا يمين له - وهي المسألة الثانية - ففيه عن مالك روايتان:

                                                                                              إحداهما: تقطع يده اليسرى. والأخرى: رجله اليسرى. وقال الزهري : تقطع الشلاء; لأنها جمال. وبه قال إسحاق ، وأبو ثور . وقال أحمد : إذا كان يحركها قطعت. وعند الحنفية تفصيل بعيد التحصيل.

                                                                                              [ ص: 76 ] ثم إلى أين تقطع- وهي المسألة الثالثة - فعند الكافة: تقطع اليد من الرسغ، والرجل من المفصل. وهو مروي عن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - وقال علي - رضي الله عنه -: تقطع الرجل من شطر القدم، ويترك له العقب، وبه قال أحمد ، وأبو ثور وقيل: تقطع اليد إلى المرفق. وقيل: إلى المنكب. وهما شاذان.

                                                                                              تنبيه: آية السرقة وردت عامة مطلقة، لكنها مخصصة مقيدة عند كافة العلماء; إذ قد خرج من عموم السارق من سرق ملكه، ومن سرق أقل من نصاب، وغير ذلك. وتقيدت باشتراط الحرز، فلا قطع على من سرق شيئا من غير حرز بالإجماع إلا ما شذ فيه الحسن وأهل الظاهر، فلم يشترطوا الحرز. وقد روى النسائي من حديث رافع بن خديج : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع في كثر ولا ثمر) والكثر: الجمار. وروى من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده : أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ). وفي رواية: ( وليس في الماشية قطع إلا فيما آواه المراح فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات .

                                                                                              قال أبو عمر : قوله: وغرامة مثليه: هو منسوخ . ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال به إلا رواية أحمد . ومحمل هذا على التشديد، والعقوبة.

                                                                                              وأبو عمر يصحح حديث عمرو بن شعيب إذا كان الراوي عنه ثقة، والراوي عنه [ ص: 77 ] لهذا الحديث ابن عجلان وهو ثقة.

                                                                                              وإذا تقرر اشتراط الحرز في السرقة: فالحرز عبارة عن المحل الذي يحفظ فيه ذلك الشيء عادة. ثم هو مختلف بحسب اختلاف الشيء المحرز. وتفصيل ذلك وبقية ما يتعلق بالسرقة في الفروع.




                                                                                              الخدمات العلمية