الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  712 133 - حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف فقال: قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حتى قلت: أي رب، أوأنا معهم؟ فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة، قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل، قال نافع: حسبت أنه قال: من خشيش الأرض، أو خشاش.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  لم يقع بين هذا الحديث والحديث الذي قبله شيء من لفظة: " باب " مجردة، ولا بترجمة في رواية أبي ذر، وأبي الوقت، وكذا لم يذكر أبو نعيم، ولا ذكره ابن بطال في شرحه، ووقع في رواية الأصيلي وكريمة لفظة باب بلا ترجمة، وكذا ذكره الإسماعيلي لفظة باب بلا ترجمة، ثم على تقدير عدم وقوع شيء من ذلك بين الحديثين يطلب وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة، فقال بعضهم: فعلى هذا مناسبة الحديث غير ظاهرة للترجمة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ظاهرة وهي في قوله: " فقام فأطال القيام "؛ لأن إطالة النبي - صلى الله عليه وسلم - القيام بحسب الظاهر كانت مشتملة على قراءة الدعاء وقراءة القرآن، وقد علم أن الدعاء عقيب الافتتاح قبل الشروع في القراءة فصدق عليه باب ما يقول بعد التكبير وهي مطابقة ظاهرة جدا، وقد قال الكرماني لما كانت قراءة دعاء الافتتاح مستلزمة لتطويل القيام، وهذا فيه تطويل القيام ذكره هاهنا من جهة هذه المناسبة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا غير سديد؛ لأن الترجمة باب ما يقول بعد التكبير وليست في تطويل القيام، وقال بعضهم: وأحسن منه ما قاله ابن رشيد يحتمل أن تكون المناسبة في قوله: " حتى قلت : أي رب، أوأنا معهم "؛ لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف فيجمعه مع الذي قبله جواز دعاء الله ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن خلافا للحنفية انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا كلام طائح أما أولا فلأنه لا يدل [ ص: 298 ] أصلا على المقصود على ما لا يخفى على من له ذوق من طعم تراكيب الكلام، وأما ثانيا: فلأن العبد يناجي ربه ويستعطفه وهو ساكت، ومقام المناجاة والاستعطاف يكون بكل ذكر يليق لذاته وصفاته، والحال أن الله حث عبيده في غير موضع من القرآن، وحث نبيه صلى الله عليه وسلم - في غير موضع من حديثه بذكره، ومدح الذاكرين والذاكرات، وكل ذلك باللسان، وهو ترجمان القلب، ومجرد الخضوع لا يغني عن الذكر، والحسن في الخضوع مع الذكر، وأما ثالثا: فكيف يقول: ولا يختص بما ورد في القرآن أفيليق للعبد أن يقول في صلاته وهي محل المناجاة والخضوع: اللهم أعطني ألف دينار مثلا، أو زوجني امرأة فلانية؟ وهذا ينافي الخضوع والخشوع، وكيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس " الحديث، وأما على تقدير وقوع لفظة باب بين الحديثين فهي بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، وتكون المناسبة بينهما تعلقا ما، والذي ذكره الكرماني هو هذا التعلق فافهم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم أربعة: الأول: سعيد بن محمد بن الحكم ابن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري .

                                                                                                                                                                                  الثاني: نافع بن عمر بن عبد الله الجمحي القرشي من أهل مكة، ذكر الطبري أنه مات بمكة سنة تسع وستين ومائة.

                                                                                                                                                                                  الثالث: عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي مليكة أبو بكر، ويقال: أبو محمد، واسم أبي مليكة بضم الميم: زهير بن عبد الله التيمي الأحول المكي القاضي على عهد ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  الرابع: أسماء بنت أبي بكر الصديق، أم عبد الله بن الزبير، وهي التي يقال لها: ذات النطاقين، أخت عائشة أم المؤمنين، ماتت بمكة سنة ثلاث وسبعين، وكانت بنت مائة سنة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد، وفيه العنعنة في موضع، وفيه القول في موضعين، وفيه أن رواته ما بين بصري ومكي، وفيه رواية التابعي عن الصحابية.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في الشرب، عن سعيد بن أبي مريم (قلت): أخرجه في باب فضل سقي الماء، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة : " عن أسماء بنت أبي بكر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الكسوف فقال: دنت مني النار حتى قلت: أي رب، أوأنا معهم، فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة، قال: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا "، انتهى.

                                                                                                                                                                                  فسنده بعين سند حديث هذا الباب، إلا أن في المتن اقتصارا، وبعض اختلاف، وأخرجه النسائي في الصلاة عن إبراهيم بن يعقوب، عن موسى بن داود، وأخرجه ابن ماجه فيه عن محرز بن سلمة، ثلاثتهم عن نافع بن عمر، عن ابن مليكة به.

                                                                                                                                                                                  وصلاة الكسوف رويت عن أربعة وعشرين نفسا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهم: أسماء بنت أبي بكر، أخرجه الستة خلا الترمذي، فاتفق عليه الشيخان من رواية فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، وأخرج أبو داود منه في الأمر بالعتاقة في كسوف الشمس، وأخرج البخاري، ومسلم، وابن ماجه من رواية ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، ورواه مسلم من رواية صفية بنت شيبة عن أسماء .

                                                                                                                                                                                  وابن عباس أخرج حديثه مسلم، عن محمد بن المثنى، وأبو داود عن مسدد، والترمذي عن بندار، والنسائي عن محمد بن المثنى، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم، واتفق عليه الشيخان، وأبو داود والنسائي من رواية عطاء بن يسار عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                  وعلي بن أبي طالب أخرج حديثه أحمد من رواية حنش عنه.

                                                                                                                                                                                  وعائشة أخرج حديثها الأئمة الستة، فالبخاري عن عبد الله بن محمد، واتفق عليه الشيخان، وأبو داود والنسائي من رواية الأوزاعي، والنسائي من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر، وأخرجه خلا الترمذي من رواية يونس بن يزيد، ورواه مسلم والنسائي من رواية شعيب بن أبي حمزة، وعلقه البخاري من رواية سليمان بن كثير، وسفيان بن حسين ستتهم عن الزهري، وقد وصل الترمذي رواية سفيان بن حسين، واتفق عليه الشيخان وأبو داود والنسائي من رواية هشام بن عروة، عن أبيه، وأبو داود من رواية سليمان بن يسار، عن عروة .

                                                                                                                                                                                  ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية هشام بن عروة، عن أبيه، وأبو داود من رواية عبيد بن عمير، وفي رواية لمسلم عن عبيد بن عمير، عن عائشة .

                                                                                                                                                                                  وعبد الله بن عمرو أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، وله حديث آخر رواه أبو داود من رواية عطاء بن السائب [ ص: 299 ] عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، وسكت عليه.

                                                                                                                                                                                  والنعمان بن بشير أخرج حديثه أبو داود والنسائي من رواية أبي قلابة، عن النعمان بن بشير .

                                                                                                                                                                                  والمغيرة بن شعبة أخرج حديثه الشيخان من رواية زياد بن علاقة .

                                                                                                                                                                                  وأبو مسعود أخرج حديثه الشيخان والنسائي وابن ماجه من رواية قيس بن أبي حازم، قال: سمعت أبا مسعود الحديث.

                                                                                                                                                                                  وأبو بكرة أخرج حديثه البخاري والنسائي من رواية الحسن، عن أبي بكرة .

                                                                                                                                                                                  وسمرة بن جندب أخرج حديثه أصحاب السنن من رواية ثعلبة بن عباد بكسر العين وتخفيف الباء الموحدة.

                                                                                                                                                                                  وابن مسعود أخرج حديثه أحمد من طريق ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                  وابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخرج حديثه الشيخان والنسائي من رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عن ابن عمر .

                                                                                                                                                                                  وقبيصة الهلالي أخرج حديثه أبو داود والنسائي من رواية أبي قلابة عنه.

                                                                                                                                                                                  وجابر أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية هشام الدستوائي، عن أبي الزبير عن جابر .

                                                                                                                                                                                  وأبو موسى أخرج حديثه الشيخان والنسائي من رواية يزيد بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                  وعبد الرحمن بن سمرة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

                                                                                                                                                                                  وأبي بن كعب أخرج حديثه أبو داود من رواية أبي حفص الرازي .

                                                                                                                                                                                  وبلال أخرج حديثه البزار والطبراني في الكبير والأوسط من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال .

                                                                                                                                                                                  وحذيفة أخرج حديثه البزار من رواية محمد بن أبي ليلى .

                                                                                                                                                                                  ومحمود بن لبيد أخرج حديثه أحمد من رواية عاصم بن عمرو بن قتادة عنه.

                                                                                                                                                                                  وأبو الدرداء أخرج حديثه الطبراني في الكبير من رواية زياد بن صخر عنه.

                                                                                                                                                                                  وأبو هريرة أخرج حديثه النسائي من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  وأم سفيان أخرج حديثها الطبراني في الكبير من رواية موسى بن عبد الرحمن عنها.

                                                                                                                                                                                  وعقبة بن عامر أخرج حديثه الطبراني في الكبير بلفظ: " لما توفي إبراهيم عليه السلام كسفت الشمس " الحديث.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " صلاة الكسوف " روى جماعة أن الكسوف يكون في الشمس والقمر، وروى جماعة فيهما بالخاء، وروى جماعة في الشمس بالكاف، وفي القمر بالخاء، والكثير في اللغة وهو اختيار الفراء أن يكون الكسوف للشمس والخسوف للقمر، يقال: كسفت الشمس، وكسفها الله عز وجل، وانكسفت، وخسف القمر وخسفه الله، وانخسف.

                                                                                                                                                                                  وذكر ثعلب في الفصيح: انكسفت الشمس، وخسف القمر أجود الكلام، وفي التهذيب لأبي منصور : خسف القمر وخسفت الشمس إذا ذهب ضوؤها، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : خسف القمر وكسف واحد: ذهب ضوؤه. وقيل: الكسوف أن يكسف ببعضهما، والخسوف أن يخسف بكلهما، قال تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حبيب في شرح الموطإ: الكسوف تغير اللون، والخسوف انخسافهما، وكذلك تقول في عين الأعور إذا انخسفت وغارت في جفن العين، وذهب نورها وضوؤها، وقال القزاز : وكسف الشمس والقمر تكسف كسوفا فهي كاسفة، وكسفت فهي مكسوفة، وقوم يقولون: انكسفت وهو غلط.

                                                                                                                                                                                  وقال الجوهري : والعامة تقول: انكسفت، وفي المحكم كسفها الله، وأكسفها، والأول أعلى، والقمر كالشمس، وقال اليزيدي : كسف القمر وهو يخسف خسوفا فهو خسف وخسيف وخاسف، وانخسف انخسافا، قال: وانخسف أكثر في ألسنة الناس.

                                                                                                                                                                                  وفي شرح الفصيح: كسفت الشمس: أي اسودت في رأي العين من ستر القمر إياها عن الأبصار، وبعضهم يقول: كسفت على ما لم يسم فاعله، وانكسفت.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ثم انصرف ": أي من الصلاة بعد أن فرغ منها على هذه الهيئة. قوله: " دنت ": أي قربت من الدنو.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لو اجترأت " من الجراءة وهو الجسارة، وإنما قال ذلك؛ لأنه لم يكن مأذونا من عند الله بأخذه. قوله: " بقطاف " بكسر القاف قال الجوهري : القطف بالكسر العنقود، وبجمعه جاء القرآن: " قطوفها "، والقطاف بالكسر وبالفتح: وقت القطف، بالفتح يقال: قطفت العنب قطفا، وقال ابن الأثير : القطف بالكسر اسم لكل ما يقطف كالذبح والطحن، ويجمع على قطاف وقطوف، وأكثر المحدثين يرويه بفتح القاف، وإنما هو بالكسر. قوله: " أوأنا معهم " بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة في رواية الأكثرين، وبحذف الهمزة في رواية كريمة، وهي مقدرة، وقال الكرماني : عطف الواو على مقدر بعد الهمزة يدل عليه السياق، ولم يبين ذلك ولا غيره الذي أخذ منه، وفي رواية ابن ماجه : وأنا فيهم، وقال الإسماعيلي: والصحيح أوأنا معهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا امرأة " كلمة إذا للمفاجأة، فتختص بالجمل الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب، ومعناها الحال لا الاستقبال، نحو خرجت فإذا الأسد بالباب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حسبت أنه قال " [ ص: 300 ] جملة معترضة بين قوله: " امرأة "، وبين قوله: " تخدشها ": أي قال أبو هريرة : حسبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هكذا فسره الكرماني، وقال غيره: قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث، والضمير في أنه لابن أبي مليكة، وذكر أن الإسماعيلي بينه، كذا قوله: " تخدشها " من الخدش بفتح الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة، وفي آخره شين معجمة، وهو خدش الجلد وقشره بعود أو نحوه، وهو من باب ضرب يضرب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " هرة " بالرفع فاعل لقوله: " تخدشها " قوله: " لا أطعمتها ": أي لا أطعمت المرأة الهرة، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: " لا هي أطعمتها " بالضمير الراجع إلى المرأة. قوله: " تأكل " من الأحوال المنتظرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال نافع " وهو ابن عمر راوي الحديث. قوله: " حسبت أنه قال " فاعل حسبت هو نافع، والضمير في أنه يرجع إلى ابن أبي مليكة . قوله: " من خشيش الأرض، أو خشاش الأرض " كذا وقع في هذه الرواية بالشك، والخشيش بفتح الخاء المعجمة، وهو حشرات الأرض وهوامها، والخشاش بكسر الخاء هو الحشرات أيضا، وقال ابن الأثير : تأكل من خشاش الأرض وفي رواية: من خشيشها، وهي بمعناه، ويروى بالحاء المهملة، وهو يابس النبات، وهو وهم. وقيل: إنما هو خشيش بضم الخاء المعجمة تصغير خشاش على الحذف، أو خشيش بغير حذف، وقال الخطابي: ليس بشيء، وإنما هو الخشاش مفتوحة الحاء، وهو حشرات الأرض.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستنبط منه) وهو على وجوه: الأول أن صلاة الكسوف أجمع العلماء على أنها سنة، وليست بواجبة وهو الأصح، وقال بعض مشايخنا: إنها واجبة للأمر بها، ونص في الأسرار على وجوبها.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الأمر فيها هو قوله - صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم شيئا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة "، وثبوتها بالكتاب، وهو قوله تعالى: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا والكسوف آية من آيات الله تعالى يخوف الله به عباده؛ ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى التي فيها فوزهم، وبالسنة وهو ما ذكرناه، وبالإجماع فإن الأمة قد اجتمعت عليها من غير إنكار من أحد.

                                                                                                                                                                                  الوجه الثاني: أن يصلى بها في المسجد الجامع، أو في مصلى العيد قاله الطحاوي، وقالت الشافعية والحنابلة: السنة في المسجد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها فيه، ولأن وقت الكسوف يضيق عن الخروج إلى المصلى.

                                                                                                                                                                                  الوجه الثالث: في وقت أدائها، فأما أولها فوقت يجوز فيه أداء النافلة، وفيه خلاف يأتي، وآخرها فعن مالك لا يصلى بعد الزوال، رواه ابن القاسم، وفي رواية ابن وهب يصلى وإن زالت الشمس، وعنه لا يصلى بعد العصر، ومذهب أبي حنيفة إن طلعت مكسوفة لا يصلى حتى يدخل وقت الجواز، قال ابن المنذر وبه أقول خلافا للشافعي .

                                                                                                                                                                                  وفي المحيط: لا يصلى في الأوقات الثلاثة، وذكر ابن عمر في الاستذكار قال الليث بن سعد : حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وعلى الموسم سليمان بن هشام، وبمكة - شرفها الله - عطاء بن أبي رباح، وابن شهاب، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعمرو بن شعيب، وأيوب بن موسى، وكسفت الشمس بعد العصر فقاموا قياما يدعون الله في المسجد، فقلت لأيوب : ما لهم لا يصلون؟ فقال النهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر، فلذلك لا يصلون إنما يذكرون حتى تنجلي الشمس، وهو مذهب الحسن بن أبي الحسن، وابن علية، والثوري، وقال إسحاق : يصلون بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد صلاة الصبح، ولا يصلون في الأوقات الثلاثة، فلو كسفت عند الغروب لم يصل إجماعا.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن قدامة : إذا كان الكسوف في غير وقت صلاة جعل بمكان الصلاة شرعا، هذا ظاهر المذهب؛ لأن النافلة لا تفعل أوقات النهي سواء كان لها سبب، أو لم يكن، روي ذلك عن الحسن، وأبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم، وأبي حنيفة، ومالك، وأبي ثور، ونص عليه أحمد .

                                                                                                                                                                                  روى قتادة قال: انكسفت الشمس ونحن بمكة - شرفها الله تعالى - بعد العصر، فقاموا قياما يدعون، فسألت عطاء عن ذلك؟ فقال: هكذا يصنعون، وروى إسماعيل بن سعد، عن أحمد أنهم يصلونها في أوقات النهي، قال أبو بكر بن عبد العزيز : وبالأول أقول، وهذا أظهر القولين.

                                                                                                                                                                                  الوجه الرابع: في صفتها وهي كهيئة النافلة عندنا بغير أذان ولا إقامة، مثل صلاة الفجر والجمعة، في كل ركعة ركوع واحد، وبه قال النخعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وهو مذهب عبد الله بن الزبير، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، عن ابن عباس، وروي ذلك أيضا عن ابن عمر، وأبي بكرة، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن عمرو، وقبيصة الهلالي، والنعمان بن بشير، وعبد الرحمن بن سمرة، وعند الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبي ثور، وعلماء الحجاز صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة [ ص: 301 ] ركوعان وسجودان، وعن أحمد، وإسحاق في كل ركعة ثلاث ركوعات، واحتج الشافعي ومن معه بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أخرجه الأئمة الستة في كتبهم على ما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، وحديث الثلاث ركوعات في كل ركعة، أخرجه مسلم، عن عطاء، عن جابر، قال: " كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ست ركعات بأربع سجدات "، وذكر في الخلاصة الغزالية: إذا انكسفت الشمس في وقت مكروه، أو غير مكروه نودي الصلاة جامعة، وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين، وركع في كل ركعة ركوعين، وأوائلها أطول من أواخرها، ثم ذكر قراءة الطوال الأربع في أول القرآن في القيام الأربع، ثم قال: ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين آية.

                                                                                                                                                                                  وعند طاوس بن كيسان، وحبيب بن أبي ثابت، وعبد الملك بن جريج : صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات وسجدتان، ويحكى هذا عن علي، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، واحتجوا في ذلك بحديث ابن عباس أخرجه مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال: والأخرى مثلها .

                                                                                                                                                                                  وقال قتادة، وعطاء بن أبي رباح، وإسحاق، وابن المنذر : صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان، وعند سعيد بن جبير، وإسحاق بن راهويه في رواية، ومحمد بن جرير الطبري، وبعض الشافعية: لا توقيت في الركوع في صلاة الكسوف، بل يطيل أبدا يركع ويسجد إلى أن تنجلي الشمس.

                                                                                                                                                                                  وقال القاضي عياض : قال بعض أهل العلم: إنما ذلك على حسب مكث الكسوف، فما طال مكثه زاد تكرير الركوع فيه، وما قصر اقتصر فيه، وما توسط اقتصد فيه، قال: وإلى هذا نحى الخطابي، وابن راهويه وغيرهما، وقد يعترض عليه بأن طولها ودوامها لا يعلم في أول الحال، ولا في الركعة الأولى.

                                                                                                                                                                                  وأصحابنا احتجوا فيما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي في الشمائل، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: " انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقام رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك " الحديث.

                                                                                                                                                                                  وبحديث النعمان بن بشير رواه أبو قلابة عنه، أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: " إذا خسفت الشمس والقمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة "، رواه النسائي، وأحمد، والحاكم في مستدركه، وقال: على شرطهما، ورواه أبو داود، ولفظه: " كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فجعل يصلي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت ".

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي، وابن ماجه أيضا، وقال البيهقي : هذا مرسل أبي قلابة، لم يسمع من النعمان .

                                                                                                                                                                                  (قلت): صرح في الكمال بسماعه عنه، وقال ابن حزم : أبو قلابة أدرك النعمان، وروى هذا الخبر عنه، وصرح ابن عبد البر بصحة هذا الحديث، وقال: من أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة عن النعمان، فرد كلام البيهقي، فإنه بلا دليل؛ ولأنه ناف وغيره مثبت.

                                                                                                                                                                                  وبحديث قبيصة الهلالي أخرجه أبو داود عنه، قال: " كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فخرج فزعا يجر رداءه وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين، فأطال فيها القيام، ثم انصرف، وانجلت فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة ".

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي أيضا، والحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقال البيهقي بعد أن رواه: سقط بين أبي قلابة وقبيصة رجل، وهو هلال بن عامر، وقال النووي في الخلاصة: وهذا لا يقدح في صحة الحديث.

                                                                                                                                                                                  وبحديث أبي بكرة أخرجه البخاري، عن الحسن عنه قال: " خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه، فصلى ركعتين فانجلت الشمس ". وسيأتي هذا في بابه.

                                                                                                                                                                                  وبحديث عبد الرحمن بن سمرة، أخرجه مسلم، وفيه: " فصلى ركعتين ".

                                                                                                                                                                                  وقد تكلف الخصم في الجواب عن هذين الحديثين لأجل أنهما عليهم، فقال النووي : قوله: " صلى ركعتين " يعني في كل ركعة قيامان وركوعان، وقال القرطبي : يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة، وسكت عن الأخرى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): في هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره بغير ضرورة، فلا يجوز إلا بدليل، وأيضا في لفظ النسائي : " كما تصلون "، وفي لفظ ابن حبان : " مثل صلاتكم "، وقال الطحاوي : أكثر الآثار في هذا الباب موافقة لمذهب أبي حنيفة ومن معه، وهو النظر عندنا؛ لأنا رأينا سائر الصلوات [ ص: 302 ] من المكتوبات والتطوع، مع كل ركعة سجدتان، فالنظر على ذلك أن تكون صلاة الكسوف كذلك، وقال ابن حزم : العمل بما صح، ورأي أهل بلده، وقد يجوز أن يكون ذلك اختلاف إباحة وتوسعة غير سنة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الصواب أن لا يقال اختلفوا في صلاة الكسوف، بل تحيروا فكل واحد منهم تعلق بحديث، ورآه أولى من غيره بحسب ما أدى إليه اجتهاده في صحته، فأبو حنيفة تعلق بأحاديث من ذكرناهم من الصحابة؛ لموافقتها القياس في أبواب الصلاة، وقال أبو إسحاق المروزي، وأبو الطيب وغيرهما: تحمل أحاديثنا على الاستحباب، وأحاديثهم على الجواز.

                                                                                                                                                                                  وقال السروجي قلنا: لم يفعل ذلك بالمدينة إلا مرة واحدة، فإذا حصل هذا الاضطراب الكثير من ركوع واحد إلى عشر ركوعات يعمل بما له أصل في الشرع انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): فيه نظر لأنه فعل صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف غير مرة، وفي غير سنة، فروى كل واحد ما شاهده من صلاته صلى الله عليه وسلم - وضبطه من فعله، وذكر النووي في شرح المهذب أن عند الشافعية لا تجوز الزيادة على ركوعين، وبه قطع جمهورهم، قال: وهو ظاهر نصوصه.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الزيادة من العدل مقبولة عندهم، وقد صحت الزيادة على الركوعين ولم يعملوا بها، فكل جواب لهم عن الزيادة على الركوعين فهو جواب لنا عما زاد على ركوع واحد، وقال السرخسي : وتأويل الركوعين فما زاد أنه صلى الله عليه وسلم - طول الركوع فيها، فإنه عرضت عليه الجنة والنار، فمل بعض القوم وظنوا أنه رفع رأسه فرفعوا رؤوسهم، ومن خلف الصف الأول ظنوا أنه ركع ركوعين، فرووه على حسب ما وقع عندهم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): وفيه نظر لا يخفى. وقيل: رفع رأسه صلى الله تعالى عليه وسلم - ليختبر حال الشمس هل انجلت أم لا؟ وهكذا فعل في كل ركوع، وفيه نظر أيضا.

                                                                                                                                                                                  الوجه الخامس: في صفة القراءة فيها، فمذهب أبي حنيفة أن القراءة تخفى فيها، وبه قال مالك، والشافعي، وقال النووي في شرح مسلم: إن مذهبنا، ومذهب مالك، وأبي حنيفة، والليث بن سعد، وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس، ويجهر في خسوف القمر.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق : يجهر فيهما، وحكى الرافعي عن الصيدلاني مثله، وقال محمد بن جرير الطبري : الجهر والإسرار سواء، وما حكاه الثوري عن مالك هو المشهور، بخلاف ما حكاه الترمذي، وقد حكى ابن المنذر عن مالك الإسرار كقول الشافعي، وكذا روى ابن عبد البر في الاستذكار.

                                                                                                                                                                                  وقال المازري : إن ما حكاه الترمذي عن مالك من الجهر بالقراءة رواية شاذة، ما وقفت عليها في غير كتابة، قال: وذكرها ابن شعبان عن الواقدي عن مالك، وقال القاضي عياض في الإكمال، والقرطبي في المفهم: إن معن بن عيسى، والواقدي رويا عن مالك الجهر، قالا: ومشهور قول مالك الإسرار فيها، وأما ما حكاه الترمذي عن الشافعي من الإسرار فهو المعروف عنه، وهو الذي رواه البويطي، والمزني، وحكى الرافعي أن أبا سليمان الخطابي ذكر أن الذي يجيء على مذهب الشافعي الجهر فيهما، وتابعه النووي في الروضة على نقله ذلك، وتعقبه في شرح المهذب، فقال: إن ما نقله عن الخطابي لم أره في كتاب له، وتعقب صاحب المهمات أيضا الرافعي بأن الذي نقله الخطابي في معالم السنن الإسرار، وقال شارح الترمذي : ما نقله الرافعي عن الخطابي موجود عنه، وقد ذكره في كتابه أعلام الجامع الصحيح، فقال بعد أن حكى عن مالك والشافعي وأهل الرأي: ترك الجهر لحديث ابن عباس أنه قال: فحزرنا قراءته فلو جهر لما احتاج إلى الحزر، قال: والجهر أشبه بمذهب الشافعي؛ لأن عائشة تثبت الجهر، قال: ويجوز أن ابن عباس وقف في آخر الصف فلم يسمع، واحتج الطحاوي لأبي حنيفة والشافعي ومن معهما في الإسرار بحديث ابن عباس، أخرجه في معاني الآثار أنه قال: ما سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف حرفا، ورواه البيهقي، وأحمد، والطبراني، وأبو يعلى في مسانيدهم، وأبو نعيم في الحلية، وبحديث سمرة بن جندب قال: " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف ولا نسمع له صوتا ".

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي والطبراني مطولا، ثم احتج لأبي يوسف، ومحمد، ومن معهما في الجهر بحديث عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره، ثم قال: يجوز أن يكون ابن عباس وسمرة لم يسمعا من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته حرفا، وقد جهر فيها لبعدهما عنه، فهذا لا ينفي الجهر، وقال أيضا: النظر في ذلك أن يكون حكمها كحكم صلاة الاستسقاء عند من يراها، وصلاة العيدين؛ لأن ذلك هو المفعول في خاص من الأيام فكذلك هذا.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ظهر من كلامه أنه مع أبي يوسف ومحمد .

                                                                                                                                                                                  (قلت): اختلفت الأحاديث في الجهر والإسرار في صلاة الكسوف فعند مسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم - جهر في صلاة الكسوف وقاله البخاري في صلاة الكسوف، وعند أبي داود من رواية [ ص: 303 ] الأوزاعي عن الزهري، فذكره بلفظ: " قرأ قراءة طويلة، فجهر بها ": يعني في صلاة الكسوف، وفي رواية الترمذي من رواية سفيان بن حسين عن الزهري بلفظ: " صلى صلاة الكسوف، وجهر فيها بالقراءة "، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وعند أصحاب السنن من حديث سمرة، وابن عباس كما ذكرنا أنهما لم يسمعا حرفا، ولا شك أن حديث عائشة أصرح بالجهر فيها، وحديثها متفق عليه، وقد أجاب عنه القائلون بالإسرار بجوابين: أحدهما ما قاله النووي في شرح مسلم: بأن هذا عند أصحابنا، والجمهور محمول على كسوف القمر، والثاني: ما قاله ابن عبد البر في الاستذكار من الإشارة إلى تضعيف الحديث.

                                                                                                                                                                                  (قلت): يرد الجواب الأول ما رواه إسحاق بن راهويه، عن الوليد بن مسلم بإسناده إلى عائشة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في كسوف الشمس، وجهر بالقراءة " رواه الخطابي في أعلام الجامع الصحيح من طريق ابن راهويه، وأما تضعيف ابن عبد البر الحديث فكأنه من جهة سفيان بن حسين عن الزهري، فإن أحمد قال: ليس بذلك في حديثه عن الزهري وعن يحيى ثقة في غير الزهري لا يدفع.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قال: يعقوب بن شيبة صدوق ثقة، روى له مسلم في مقدمة كتابه، واستشهد به البخاري، وروى له عن الأربعة، ومع ذلك فقد تابعه على ذلك، عن الزهري عبد الرحمن بن نمر، وسليمان بن كثير وإن كانا ليني الحديث.

                                                                                                                                                                                  وقال شارح الترمذي : وعلى هذا فالمختار الجهر، فلذلك قال الخطابي : إنه أشبه بمذهب الشافعي لقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال البخاري : حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة، وقال البيهقي في الخلافيات: لكنه ليس بأصح من حديث ابن عباس الذي قال فيه نحوا من قراءة سورة البقرة، قال الشافعي : فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ؛ لأنه لو سمعه لم يقدره بغيره، فإن قيل: قال الشافعي : وروي عن ابن عباس أنه قال: قمت إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - في خسوف الشمس فما سمعت منه حرفا .

                                                                                                                                                                                  وأجيب بأنه لا يصح هذا عن ابن عباس؛ لأن في إسناده ابن لهيعة، وفي آخر الواقدي، وفي آخر الحكم بن أبان .

                                                                                                                                                                                  الوجه السادس: في صلاة خسوف القمر قال أصحابنا: ليس في خسوف القمر جماعة. وقيل: الجماعة جائزة عندنا، لكنها ليست بسنة؛ لتعذر اجتماع الناس بالليل، وإنما يصلي كل واحد منفردا، وعند مالك لا صلاة فيه، وعند الشافعي يصلى للخسوف كما يصلى للكسوف بجماعة وركوعين، وبالجهر بالقراءة، وبخطبتين بينهما جلسة، وبه قال أحمد وإسحاق إلا في الخطبة، واستدل أبو حنيفة، ومالك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع لكسوف الشمس ولما خسف القمر في جمادى الآخرة سنة أربع فيما ذكره ابن الجوزي وغيره لم يجمع فيه، وقال مالك : لم يبلغنا ولا أهل بلدنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع لخسوف القمر، ولا نقل عن أحد من الأئمة بعده أنه جمع فيه، وذكر ابن قدامة أن أكثر أهل العلم على مشروعية الصلاة لخسوف القمر، فعله ابن عباس، وبه قال عطاء، والحسن، وأبو ثور، وهو مروي عن عثمان بن عفان وجماعة المحدثين، وعمر بن عبد العزيز، مستدلين بقوله: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك فصلوا ".

                                                                                                                                                                                  وروى الدارقطني من حديث إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات، وأربع سجدات، ويقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بـ "يس ".

                                                                                                                                                                                  وفي حديث قبيصة مرفوعا: " إذا انكسفت الشمس أو القمر فصلوا "، وروى الدارقطني بسند جيد من حديث حبيب بن ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس والقمر ثمان ركعات في أربع سجدات "، وبوب البخاري باب الصلاة في كسوف القمر على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  (فائدة) اختلفت الأحاديث الواردة في كيفية صلاة الكسوف من الاقتصار على ركوعين، كما في حديث أبي بكرة وغيره، وثلاث ركوعات في كل ركعة، كما في حديث جابر، وأربع ركوعات في ركعتين، كما في حديث عائشة وغيره، وست ركوعات في ركعتين، كما في حديث جابر وغيره، وثمان ركوعات في ركعتين كما في حديث أبي بن كعب، وخمسة عشر ركعة في ثلاث ركوعات، رواه الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب .

                                                                                                                                                                                  ومما يستفاد من الحديث المذكور أن الجنة والنار مخلوقتان اليوم، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وفيه أن تعذيب الحيوان غير جائز، وأن المظلوم من الحيوان يسلط يوم القيامة على ظالمه، وفيه معجزة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية