الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل كمشتكين وحصر الفرنج حارم

في هذه السنة قبض الملك الصالح بن نور الدين على سعد الدين كمشتكين ، وكان المتولي لأمر دولته والحاكم فيها ، وسبب قبضه أنه كان بحلب إنسان من أعيان أهلها يقال له أبو صالح بن العجمي ، وكان مقدما عند نور الدين محمود ، فلما مات نور الدين تقدم أيضا في دولة ولده الملك الصالح ، وصار بمنزلة الوزير الكبير المتمكن لكثرة أتباعه بحلب ولأن كل من كان يحسد كمشتكين انضم إلى صالح ، [ ص: 431 ] وقووا جنانه ، وكثروا سواده ، وكان عنده إقدام وجرأة فصار واحد الدولة بحلب ، ومن يصدر الجماعة عن رأيه وأمره .

فبينما هو في بعض الأيام في الجامع وثب به الباطنية فقتلوه ومضى شهيدا ، وتمكن بعده سعد الدين وقوي حاله ، فلما قتل أحال الجماعة قتله على سعد الدين ، وقالوا : هو وضع الباطنية عليه حتى قتلوه ، وذكروا ذلك للملك الصالح ، ونسبوه إلى العجز ، وأنه ليس له حكم ، وأن سعد الدين قد تحكم عليه واحتقره واستصغره ، وقتل وزيره ، ولم يزالوا به حتى قبض عليه .

وكانت قلعة حارم لسعد الدين قد أقطعه إياها الملك الصالح ، فامتنع من بها بعد قبضه ، وتحصنوا فيها ، فسير سعد الدين إليها تحت الاستظهار ليأمر أصحابه بتسليمها إلى الملك الصالح ، فأمرهم بذلك ، فامتنعوا ، فعذب كمشتكين وأصحابه يرونه ولا يرحمونه ، فمات في العذاب ، وأصر أصحابه على الامتناع والعصيان .

فلما رأى الفرنج ذلك ساروا إلى حارم من حماة في جمادى الأولى ، على ما نذكره ، ظنا منهم أنهم لا ناصر لهم ، وأن الملك الصالح صبي قليل العسكر ، وصلاح الدين بمصر ، فاغتنموا هذه الفرصة ونازلوها وأطالوا المقام عليها مدة أربعة أشهر ، ونصبوا عليها المجانيق والسلالم ، فلم يزالوا كذلك إلى أن بذل لهم الملك الصالح مالا ، وقال لهم : إن صلاح الدين واصل إلى الشام ، وربما سلم القلعة من بها إليه ، فأجابوه حينئذ إلى الرحيل عنها ، فلما رحلوا عنها سير إليها الملك الصالح جيشا فحصروها ، وقد بلغ الجهد منهم بحصار الفرنج ، وصاروا كأنهم طلائع ، وكان قد قتل من أهلها وجرح كثير ، فسلموا القلعة إلى الملك الصالح ، فاستناب بها مملوكا كان لأبيه اسمه سرخك .

التالي السابق


الخدمات العلمية