الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وقوموا لله قانتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع , وأحمد , وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد , والبخاري , ومسلم , وأبو داود , والترمذي , والنسائي ، وابن جرير ، وابن خزيمة , والطحاوي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان , والطبراني , والبيهقي , عن زيد بن أرقم , قال : كنا نتكلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة , يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة , حتى نزلت : وقوموا لله قانتين . فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قول الله : وقوموا لله قانتين . قال : كانوا يتكلمون في الصلاة , يجيء خادم الرجل إليه وهو في الصلاة , [ ص: 95 ] فيكلمه بحاجته , فنهوا عن الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر , عن عكرمة ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد , عن محمد بن كعب قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , والناس يتكلمون في الصلاة في حوائجهم , كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة في حوائجهم , حتى نزلت هذه الآية : وقوموا لله قانتين فتركوا الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير , عن عطية , قال : كانوا يأمرون في الصلاة بحوائجهم حتى أنزلت : وقوموا لله قانتين . فتركوا الكلام في الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر , عن مجاهد قال : كانوا يتكلمون في الصلاة , وكان الرجل يأمر أخاه بالحاجة , فأنزل الله : وقوموا لله قانتين . فقطعوا الكلام , فالقنوت السكوت , والقنوت الطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير , من طريق السدي , عن مرة , عن ابن مسعود قال : كنا [ ص: 96 ] نقوم في الصلاة فنتكلم , ويسأل الرجل صاحبه ويخبره , ويردون عليه إذا سلم , حتى أتيت أنا , فسلمت فلم يردوا علي السلام , فاشتد ذلك علي , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال : " إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة " . والقنوت السكوت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير , من طريق زر , عن ابن مسعود قال : كنا نتكلم في الصلاة , فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم , فلم يرد علي , فلما انصرف قال : " قد أحدث الله ألا تكلموا في الصلاة " . ونزلت هذه الآية : وقوموا لله قانتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير , من طريق كلثوم بن المصطلق , عن ابن مسعود قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة , فأتيته ذات يوم , فسلمت فلم يرد علي , وقال : " إن الله يحدث في أمره ما شاء , وإنه قد أحدث لكم في الصلاة ألا يتكلم أحد إلا بذكر الله , وما ينبغي من تسبيح وتمجيد , وقوموا لله قانتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد , وأبو يعلى , من طريق المسيب , عن ابن مسعود , قال : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة , فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم , [ ص: 97 ] فسلمت عليه , فلم يرد علي , فوقع في نفسي أنه نزل في شيء , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال : " وعليك السلام أيها المسلم ورحمة الله , إن الله يحدث في أمره ما يشاء , فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تتكلموا " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : القانت الذي يطيع الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : وقوموا لله قانتين قال : مصلين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : كل أهل دين يقومون فيها عاصين , فقوموا أنتم لله مطيعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " ، عن الضحاك في قوله : وقوموا لله قانتين . قال : مطيعين لله في الوضوء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : إذا قمتم في الصلاة فاسكتوا ولا تكلموا أحدا حتى تفرغوا منها , والقانت المصلي الذي لا يتكلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر , وابن [ ص: 98 ] أبي حاتم , والأصبهاني في " الترغيب " , والبيهقي في " شعب الإيمان " , عن مجاهد في قوله : وقوموا لله قانتين . قال : من القنوت الركوع والخشوع وطول الركوع , يعني طول القيام , وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله , كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدهم في الصلاة يهاب الرحمن سبحانه وتعالى أن يلتفت , أو يقلب الحصى , أو يشد بصره , أو يعبث بشيء , أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا , إلا ناسيا , حتى ينصرف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني في " الترغيب " عن ابن عباس في قوله : وقوموا لله قانتين . قال : كانوا يتكلمون في الصلاة , ويأمرون بالحاجة , فنهوا عن الكلام والالتفات في الصلاة , وأمروا أن يخشعوا إذا قاموا في الصلاة قانتين خاشعين , غير ساهين ولا لاهين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة , ومسلم , والترمذي ، وابن ماجه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري , ومسلم , وأبو داود ، والنسائي , وابن ماجه , عن ابن مسعود قال : كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا , فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا , فقلنا : يا رسول الله , كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا . فقال : " إن في الصلاة شغلا " . [ ص: 99 ] وأخرج ابن أبي شيبة , وأحمد , ومسلم , وأبو داود , والنسائي , عن معاوية بن الحكم السلمي , قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم , فقلت : يرحمك الله . فرماني القوم بأبصارهم , فقلت : واثكل أمياه , ما شأنكم تنظرون إلي؟ ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم , فلما رأيتهم يصمتونني سكت , فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبأبي هو وأمي , ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه , فوالله ما كهرني , ولا ضربني , ولا شتمني . ثم قال : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس , إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري , ومسلم , والنسائي ، وابن ماجه ، عن جابر قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في سفر - فبعثني في حاجة , فرجعت وهو يصلي على راحلته , فسلمت عليه فلم يرد علي , فلما انصرف قال : " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود , والترمذي وحسنه , عن صهيب قال : مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , فسلمت عليه فرد إلي إشارة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار عن أبي سعيد الخدري , أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو [ ص: 100 ] في الصلاة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم إشارة , فلما سلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا كنا نرد السلام في صلاتنا , فنهينا عن ذلك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن عمار بن ياسر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , فسلمت عليه فلم يرد علي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري , ومسلم , وأبو داود , والنسائي ، وابن ماجه , والبيهقي في " سننه " , عن محمد بن سيرين قال : سئل أنس بن مالك : أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال : نعم . قيل : أوقنت قبل الركوع؟ قال : بعد الركوع يسيرا . قال : فلا أدري اليسير للقيام أو القنوت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة , عن ابن عمر ، أنه كان لا يقنت في الفجر , ولا في الوتر , وكان إذا سئل عن القنوت قال : ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري , والبيهقي , من طريق أبي قلابة , عن أنس قال : كان القنوت في الفجر والمغرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة , ومسلم , وأبو داود , والنسائي ، [ ص: 101 ] والدارقطني , والبيهقي , عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط " , والدارقطني , والبيهقي , عن البراء بن عازب , قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري , ومسلم , وأبو داود , والنسائي , والدارقطني , والبيهقي , عن أبي سلمة ، أنه سمع أبا هريرة يقول : والله لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح , بعدما يقول : سمع الله لمن حمده . يدعو للمؤمنين , ويلعن الكافرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود , والبيهقي , عن ابن عباس قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح , في دبر كل صلاة إذا قال : " سمع الله لمن حمده " . من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من [ ص: 102 ] سليم , على رعل وذكوان وعصية , ويؤمن من خلفه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود , والدارقطني , عن محمد بن سيرين قال : حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة : فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد , والبزار , والدارقطني , عن أنس قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني , والبيهقي , عن أنس , أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو عليهم , ثم تركه , وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني , عن أنس , قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته . قال : وصليت خلف عمر بن الخطاب , فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار , والبيهقي , عن أنس , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت حتى مات , وأبو بكر حتى مات , وعمر حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 103 ] وأخرج ابن أبي شيبة , عن أبي عثمان ، أنه سئل عن قنوت عمر في الفجر , فقال : كان يقنت بقدر ما يقرأ الرجل مائة آية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي , عن أنس قال : قنت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان بعد الركوع , ثم تباعدت الديار , فطلب الناس إلى عثمان أن يجعل القنوت في الصلاة قبل الركوع ؛ لكي يدركوا الصلاة , فقنت قبل الركوع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني , من طريق أبي الطفيل , عن علي , وعمار , أنهما صليا خلف النبي صلى الله عليه وسلم , فقنت في الغداة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه عن حميد قال : سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح فقال : كنا نقنت قبل الركوع وبعده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحارث بن أبي أسامة , والطبراني في " الأوسط " عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر قبل الركعة , وقال : " إنما أقنت بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو يعلى عن أبي رافع , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سلوا الله حوائجكم في صلاة الصبح " . [ ص: 104 ] وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن ابن مسعود قال : ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الصلوات إلا في الوتر , وإنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود , والنسائي ، وابن ماجه , عن أبي بن كعب , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة , وأبو داود , والترمذي وحسنه , والنسائي ، وابن ماجه , والطبراني , والبيهقي , عن الحسن بن علي قال : علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت , وعافني فيمن عافيت , وتولني فيمن توليت , وبارك لي فيما أعطيت , وقني شر ما قضيت , إنك تقضي ولا يقضى عليك , وإنه لا يذل من واليت " . زاد الطبراني والبيهقي , : " ولا يعز من عاديت , تباركت ربنا وتعاليت " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي , عن بريد بن أبي مريم قال : سمعت ابن عباس ومحمد بن [ ص: 105 ] علي ابن الحنفية بالخيف يقولان : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات : " اللهم اهدني فيمن هديت , وعافني فيمن عافيت , وتولني فيمن توليت , وبارك لي فيما أعطيت , وقني شر ما قضيت , إنك تقضي ولا يقضى عليك , وإنه لا يذل من واليت , تباركت ربنا وتعاليت " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني عن الحسن فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال : عليه سجدتا السهو .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني , عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال : يسجد سجدتي السهو .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية