الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسالة : العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء .

              وقال قوم من القدرية : يلزمهم النظر في الدليل واتباع الإمام المعصوم وهذا باطل بمسلكين :

              أحدهما : إجماع الصحابة فإنهم كانوا يفتون العوام ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد ، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم . فإن قال قائل من الإمامية : كان الواجب عليهم اتباع علي لعصمته وكان علي لا ينكر عليهم تقية وخوفا من الفتنة . قلنا : هذا كلام جاهل سد على نفسه باب الاعتماد على قول علي وغيره من الأئمة في حال ولايته إلى آخر عمره ; لأنه لم يزل في اضطراب من أمره ، فلعل جميع ما قاله خالف فيه الحق خوفا وتقية

              المسلك الثاني : أن الإجماع منعقد على أن العامي مكلف بالأحكام ، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال ; لأنه يؤدي إلى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدي إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم بطلب العلم ، وذلك يرد العلماء إلى طلب المعايش ويؤدي إلى اندراس العلم بل إلى إهلاك العلماء وخراب العالم ، وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء .

              فإن قيل : فقد أبطلتم التقليد وهذا عين التقليد . قلنا : التقليد قبول قول بلا حجة وهؤلاء وجب عليهم ما أفتى به المفتي بدليل الإجماع ، كما وجب على الحاكم قبول الشهود [ ص: 373 ] ووجب علينا قبول خبر الواحد ; وذلك عند ظن الصدق والظن معلوم ووجوب الحكم عند الظن معلوم بدليل سمعي قاطع فهذا الحكم قاطع ، والتقليد جهل .

              فإن قيل : فقد رفعتم التقليد من الدين ، وقد قال الشافعي رحمه الله : ولا يحل تقليد أحد سوى النبي عليه السلام فقد أثبت تقليدا . قلنا : قد صرح بإبطال التقليد رأسا إلا ما استثنى فظهر أنه لم يجعل الاستفتاء وقبول خبر الواحد وشهادة العدول تقليدا ، نعم ، يجوز تسمية قبول قول الرسول تقليدا وتوسعا واستثناؤه من غير جنسه ووجه التجوز أن قبول قوله وإن كان لحجة دلت على صدقه جملة فلا تطلب منه حجة على غير تلك المسألة فكأنه تصديق بغير حجة خاصة ويجوز أن يسمى ذلك تقليدا مجازا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية